د. عبد الرحيم مودن
I – الطفولة:
لنتفق، منذ البداية، أن الكاتب للأطفال لابد أن يكون طفلا لحظة الكتابة: استحضار الطفولة، أو حضورها لسبب أو لآخر، أشبه ب ” حالة اليوغا ” التأملية التي تسمح بإيقاف الزمن واقتطاع اللحظة المطلوبة.
واستحضار الطفولة لا يعني استظهار الفئات العمرية، وتحويل الأطفال إلى أنابيب ” ترمومتريه ” يتعادل فيها نسغ الطفولة مع بهلوانية الزئبق الذي لا يتعدى السقف المعلوم!
واستحضار الطفولة، أيضا، لا يعني استظهار ما تيسر من معلومات ” فرويدية ” ومفاهيم ” تحليلنفسية ” حولت الجدة المسكينة إلى ” جوكستا ” والأخت إلى ” إلكترا ” والأب المرهق إلى” أوديب ” .. والطفل منتوج كل ذلك خاصة أن ” الليبيدو” الملعون يفعل الأفاعيل، هذا الاستظهار المروي بالسند، أو الوساطة، من جهة، والذي – من جهة ثانية – أعيد إنتاجه بصيغ عديدة أصبحت ” حالات سيكولوجية ” يجب فحص مرسليها عوض المرسل إليه (الطفل)، وانقلب – بذلك – السحر على الساحر، ما دام الحديث عن ” الطفل ” كان نمطيا، إطلاقيا، جاهزا وليست الطفولة هي تقديم طفل نموذجي، مغسول بالصابون، من الرأس إلى أخمص قدميه، تفوح برائحة العطر وأنسام ” البسكوت “. وبالمقابل يوجد طفل نموذجي مضاد، قياسا على الأبيض والأسود، لا نستطيع تلمس ملامحه تحت طبقات الدهون السوداء، تفوح منه روائح عديدة أقرب إلى رائحة خبز عفن منقوع بماء المجاري… وب ” ضدها تتميز الأشياء “!
الطفولة في الكتابة هي طفولة الزمان والمكان من جهة، وخصوصية طفل – ولا أقول الطفل معرفا – ليس من الضرورة أن يشبه طفلا آخر. لا شك أن ” دموع الأطفال ” متشابهة على حد تعبير ” جاك بريل ” غير أن الذي يكتب للأطفال ينطلق من هذا المزيج الفاعل بين طفولته، وبين طفولة ” الآخر ” بين ما كان وما بجب أ، يكون.
الطفولة، إذن، تراكم لخبرات طفل ما، في زمن ما، يطمح، باستمرار، إلى السمو والتجاوز.
الطفولة أخيرا، وليس أخيرا، ليست وصفة جاهزة طالها الابتذال عبر صيغ شائعة مثل: ” صف متسولا ” أو، ” أملأ الفراغ التالي ” أو ما شابه، ونضع رجلا فوق أخرى دون أن ننسى تلطيف أساريرنا، وترقيق ابتسامتنا. الطفولة، برأيي إحساس طازج بالحياة، يتعارض – بالضرورة – مع الجفاف أو التكلس، ويرفض – الإحساس – من ناحية أخرى، استعمال الأقنعة – كيفما كان نوعها – لإجفاء الوجه الآخر أو ” القبيح ” للشيخوخة الفكرية والنفسية – وهي قد لا ترتبط بالعمر – المرادفة للسلطة الزاجرة أو الوصايا المتعددة، وفي أحسن الأحوال، الخطابات المغلوطة التي ترى بأن الحدث عن الأطفال، هو حديث عن عالم وردي، يخلو من كل المتناقضات والتحولات. فالزهر يفوح برائحة زكية والطفل لا يعرف إلا زهور البلاستيك، والحدائق تحضر، من كل حدب وصوب، أثناء النوم واليقظة، في حين تحاصره – الطفل – المزابل عند كل خطوة يخطوها، وفواكه الكتاب المدرسي أقرب إليه من حبل الوريد، أما المشاتل الحقيقية فقد زرعت بالأسلاك الكهربائية شبرا شبرا…
II – أدب الطفل: في الذهنية السائدة، هو أدب من الدرجة الثانية. ذلك أن الخروج عن ” المؤسسة ” على اختلاف أنواعها، يمنع عن الخارج بركات السدنة والمشرفين على عداد الماء المقدس، كما حدث للقصة البوليسية أو نصوص ” الخيال العلمي “، وهما من أدب ” الدرجة الثانية ” (تود وروف Poetique De Laprore ) حسب مفهوم المؤسسة.
وعلى هذا الأساس، يصبح ” أدب الدرجة الأولى ” هو الأدب الرسمي/ المعياري، المحروس بأنواع الأسلحة جوا وبرا. أما أدب الدرجة الثانية فهو الذي “يفترس الغبراء ويلتحف السماء “. أدب أطفال (عيال) قاصرين عمرا وإبداعا.
منطق المقايسة يقتضي أن نجعل من أدب المؤسسة مرادفا ” لأدب الكبار “، ومن الخارج عنها معادلا ل ” أدب الصغار “، أو – كما سبقت الإشارة – أدب الذين لم يبلغوا السن القانونية!
والمفارقة التي لا يلتفت إليها، من خلال هذا التقسيم الحضري دون أن يكون حضاريا – تكمن في كون ” أدب الدرجة الثانية ” أدب الجماهير ” ” La Massea “. أما بالنسبة ل ” أدب الدرجة الأولى ” فهو أدب الخاصة التي توزع الهواء بمقدار. إنه حكم القوي على الضعيف الذي يمتلك ” القوة المعنوية ” دون المادية.
أدب الصغار (الأطفال) أدب الغالبية، بكل المقاييس، اليوم أو غدا. ولكن، لو تأملنا الصياغة، من جديد، نجد أن الأطفال لم يتركوا لشأنهم، بل ربطوا ربطا بالكبار عن طريق ” أدبهم ” فالأطفال أضيفوا إلى ” الأدب “. والأدب للكبار قبل أن يكون للصغار. والمتحكم في الجملة – صرفا وتركيبا – يتحكم فيها دلالة، ويتموقع في ساحة الخطاب (بالفتح) الذي يصبح لا حول له ولا قوة، وهذا الوضع ينتج المؤشرات التالية:
أ) – سيطرة السابق على اللاحق – كما سبقت الإشارة – وبالتالي فالأمر يتعلق بمنتوج للكبار عوض أن يكون منتوج للصغار.
ب) – وهذا يخلق وضعا ملتبسا. غذ أن المنطق يقتضي أن ينتج الأطفال أدبهم، حتى يستحق هذه التسمية، تسمية ” أدب الأطفال “، عوض أن يخضع لوصاية ” الكبار ” بأدبهم الذي يحمل ما يحمله.
ج) – وتنتج هذه الوصاية رؤية قاصرة لهذا المنتوج. ذلك أن ما يسمى ب ” أدب الأطفال ” لا يتجاوز (المحكي) سواء كان سردا مكتوبا، أو سردا مسموعا (أشرطة/إذاعة) أو مرئيا (حكاية مصورة تلفزيونيا). كما أن الأناشيد والأغاني المتداولة لا تخرج عن حكم وأمثال، وأحجيات أحيانا، ومواعظ أحيانا أخرى، لا تبتعد عن المحكيات السائدة، كما أن المسرحيات المتداولة لا تخرج عن ” الحكي ” البيداغوجي. إنها الحكاية لا غير (انظر سلسلة المسرح المدرسي. عبد الفتاح الأزرق. دار الرشاد الحديثة. 1995 ).
د) – نتج عن ذلك – وبسبب هذه الوصاية – إهمال إنتاج فني هام يؤثر في الأدب ويتأثر به مثل الرسم، والصناعات اليدوية والمحترفات الفنية والألعاب الذهنية المرسومة والمكتوبة والمجسمة.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يكتب للأطفال يقرأ من قبل الكبار – وهي الفئة المنتجة – قبل أن يقرأه الصغار، ذلك أن المؤسسة – مرة أخرى – خاضعة لسلطة الكبار علما أن القراءة مستويات ما دامت هذه الأخيرة – القراءة –إعادة إنتاج للكتابة. أو بعبارة أخرى: إننا نقرأ نصا لنجيز تداوله بين فئات القراء، وعملية الإجازة هاته صياغة جديدة للنص سواء كان مكتوبا، أو مسموعا – مرئيا، بوسائل عديدة.
وعلى ضوء ذلك تطرح الأسئلة التالية حول القراءة – جواز المرور – المنجزة من قبل الكبار. كيف تقرأ نصوص الصغار من قبل الصغار؟ ما هي المنهجية المتبعة في القراءة؟ أليست هي منهجية الكبار المستنسخة عبر كتابات الصغار؟ لماذا تم حصر ” إنتاج الأطفال ” في قوالب وأطر الكبار؟ ألا يعتبر ذلك مقايسة غير متكافئة تسود فيها المفاهيم والأنواع الأدبية المتداولة، من ناحية أخرى، منتوج الأطفال من بلورة مفاهيمه وأنواعه الأدبية والفنية المميزة؟
أما الشق الثاني لهذه الأسئلة فيرتبط بقراءة الكبار لنصوص الصغار. ألا يمكن اعتبار صعبة من حيث الخصائص النوعية للكتابة؟ ألا يعد استسهال عملية القراءة – بالنسبة لهذه النصوص – نوعا من المصادرة لطبيعة النص وخصائصه الجمالية؟ هل يمكن اعتبار النص البوليسي – إذا جازت المقارنة – نصا سهل القراءة، في حين يتسم بناؤه بالصعوبة والتعقيد؟ ألا يلتقي بناؤه المكون من عناصر ” اللغز ” l’énigme” من جهة، والمتاهة “Labyrinthe، من جهة ثانية، سببا من أسباب تعدد القراءات وتنوعها؟!
يأتي الشق الثالث من الأسئلة في سياق قراءة الصغار لدب الكبار. كيف يقرأ الصغار أدب الكبار؟ هل يعد كافيا اقتطاع ” الموضوعات الطفلية ” من بنية النص الموجه للكبار واعتبارها ” أدبا طفليا”؟: كيف نقرأ ” طفولة ” ” بنجلون “، طفولة ” جوركي “؟ البدايات الأولى ” طه حسين ” في الأيام؟ كيف يمكن التعامل مع نصوص الكبار الموجهة للكبار والصغار (موبي ديك ل ” ملفيل/روبنسون كروزي ” ل ” ديفو ” كتابات ” حول فيرن ” ..- ” أولفر تويس ” ل ” ديكنز ” – ” ” توم سوير ” ل ” مارك توين ” – سيناريوهات ” صنع الله إبراهيم ” المستوحاة من سير زعماء وشهداء الثورة العربية مثل ” عمر المختار ” ، ” عرابي “.. وهناك نماذج عديدة(1).
إن الكثير من النصوص المشار إليه أعلاه، لم تكن موجهة، في الأصل، للصغار، الشيء الذي يؤكد على أن مفهوم الكتابة يظل، في جوهره، خاضعا لطبيعة واحدة تكمن في القدرة على امتلاك وسائل الإبلاغ (العناصر الأدبية أو الجمالية) لتحقيق وظائف عديدة خاصة الوظيفة الانفعالية. يبقى الاختلاف حول (البلاغ). وهذه النقطة قد تسيل مدادا كثيرا للالتباسات التالية:
أ – موضوعات الأطفال لا تختلف عن موضوعات الكبار. وهناك دول قد تجاوزت موضوعات ” التابو ” «le tabou» أو المحرم ما دام الطفل – على اختلاف مستوياته – يصطدم يوميا بمختلف تجلياتها في السلوك والعلاقات الاجتماعية، ومظاهر حياتية مختلفة، الموضوعات ملك للجميع كبارا وصغارا.
ب – وعلى هذا الأساس، يصبح الحديث عن ” عوالم وردية ” مغلفة داخل ” داخل ” علب باريسية ” هدية مسمومة نقدها للطفل. ولا يجب أن نحشر كلمة ” البراءة ” بالحق أو الباطل. البراءة تقتضي ألا نغالط الآخر سواء كان طفلا أو راشدا: والاختلاف يمكن في كيفية استخدام وسائل الإبلاغ. أما الموضوعات ف ” مطروحة على الطريق “، ما يقول الجاحظ، خاصة أن الأطفال يكشفون عن موضوعات، في مناسبات عديدة، لا يعرفها الكبار!!
ج – الإبلاغ، إذن، مربط الفرس. وتقديم قضية ما يقتضي اختيار الأسلوب الملائم. ولعل هذا ما يفسر استمرار الكتابة المجسمة (رسوم/صور) المساعدة على الإمساك بقضية محددة. كما أن المكتوب ذاته قد يستفيد من خصائص التجسيد (ألوان/تحويل علامات الوقف إلى أشكال محددة ملائمة للسياق. فعلامة الاستفهام في الجملة العجائبية تسمح بتقديم هذه العلامة على شكل كائن خرافي أو غيره من الأشكال الملائمة…)
د – إنها قضية قراءة، فالطفل لا يقرأ كوعاء فارغ، بل إنه يجسد عدة أنظمة معرفية وتواصلية وسلوكية تشكل مرجعيته الأساسية أثناء القراءة. ومصادر هذه الأنظمة هذه الأنظمة متعددة سواء ما تعلق بالحواس، أو بالتواصل المختلفة (وسائل الإعلام – مرويات – عادات – نشرات…)
هـ – وعلى هذا الأساس، فحضور القارئ الطفلي، من خلال هذه الأنظمة، يقتضي حضوره في الكتابة، وبالتالي مراعاة هذا الجانب عوض السقوط في تبسيطية ساذجة، أو براءة مفتعلة أو مخادعة. (2)
و – وهذا الحضور بأخذ أشكالا عديدة، وأنماطا مختلفة. والقسم المشترك بينهما هو المتخيل، هذا الأخير الذي قد نحققه في لعبة أرقام، كما أننا قد نجده بأشكال فنية، أو صيغ لغوية، في فضاءات لونية، أو عن طريق تشغيلا لذاكرة بمحفزات معينة (رسوم/إيقاع…) تسمح بالإبداع الخيالي كتابة ورسما وغناء..
ز – ولعل الكثير من ” الكتابات ” – دون أن أقول أدبا – الموجهة للأطفال، تفتقد هذا العنصر الفاعل في النص الطفلي. إنه عنصر المتخيل الذي يسمح بتجاوز ما أصبح متداولا عند الكثيرين، أي جعل هذه الكتابات ملحقات للدرس المدرسي على اختلاف التسميات المقدمة من طرف المشرفين والمروجين لهذا النوع من الكتابات. فإذا كانت بعض التجارب التربوية الحديثة تدعو إلى خلق مدرسة بدون حدود – والحدود ترادف القيود على اختلاف أنوعها – فإن التجارب المشار إليها سابقا تتحول إلى قيود مضاعفة تدعم سلطات عديدة تفرزها المدرسة المغربية.
ي – لا يجب أن يفهم من ذلك الدعوة إلى تبني ” أطروحات فوضوية ” بدعوى الحرية والتحرر – تفتقد كل منهج أو تصور للكتابة الطفلية ” بل إن الهدف من هذه الأسطر هو إثارة الانتباه إلى أن الأطفال – على اختلاف أعمارهم – عالم جديد لا يجب مقايسته بعالم المدرسة وواجباتها. إنها واحة للحلم الواقعي إذا صح التعبير، الحلم بخلق ” الممكن من المستحيل “.
‘‘أدب أطفال ’’ أم تأديب أطفال ؟!
إن المتتبع لما ينشر، حاليا، في ميدان الطفولة لا يتردد في طرح السؤال التالي: هل عندنا ” أدب أطفال ” بالمغرب؟ النشور أو المتداول – خاصة في مجال المكتوب – يؤدي إلى إمكانية تصنيفه حسب الآتي:
1) كتابات تعد امتدادا للمقررات المدرسية – خاصة السلك الأول من التعليم الأساسي – من حيث الرؤية أو ” الصياغة الفنية ” – إذا توفرت في حدودها الدنيا – التي يختلف بين منتج وآخر، وبين نصوص وأخرى.
على مستوى الرؤية ما زال الهدف هو التعليم والتلقين عوض التعلم وشحذ المخيلة، (الإبداع) ولعل هذا ما يفسر هاجس ” السلطة التربوية ” المستبدة بالمسار العام لهذه الكتابات – هكذا تحول المكتوب إلى مجموعة مواقف مبنية على الخطأ والصواب، الأبيض والأسود، الكلمة ومعناها، المعنى الأحادي ومشتقاته المحدودة. إنها رؤية ” بافلوفية ” تحصر ردود الأفعال في المحدود والمكرور (على سبيل المثال لا الحصر نذكر أحمد أو مال..) وامتداداتهما المدرسية، أما على مستوى الصياغة الفنية، فإن هذه الكتابات يأخذ اتجاها خطيا أو أفقيا. ومن ثم فالمكتوب مكون من جمل منتهية في الزمن والمكان وبذلك فهي لا تحتمل إمكانية فسح المجال للتخيل، وبالتالي فإن المكان. أو الزمان لا وظيفة لهما سواء وجدا أو لم يوجدا، كما أن ” الشخصية ” مجرد أداة لاستظهار درس ما أو معلومة محددة.
وبالإضافة إلى ذلكن فالمكتوب يتسم بقصر النفس سواء على المستوى الكمي [محدودية الأسطر بالرغم. من خضوعها للتمطيط المبالغ فيه] أو الكيفي [محدودية الحكاية أو انكشافها منذ الأسطر الأولى].
2) كتابات تعيد صياغة نصوص سابقة، وبالتالي إعادة إنتاج حكاية سابقة من خلال:
أ – ” الحكاية ” التاريخية [تاريخ المغرب على سبيل المثال] [حميد السملالي].
ب – الحكاية البوليسية وحكايات الخيال العلمي (تجربة عبد السلام البقالي).
ج – ” الحكاية الدينية. ” [قصص الأنبياء/ السيرة النبوية.] (أحمد البكري السباعي).
القاسم المشترك بين هذه الأنماط، والنمط السابق، خضوعها للهاجس التعليمي، فالحكاية مجرد تعلة لهدف تلقيني يحرص صاحبه على إيصاله بكافة السبل. ومن ثم فهمي تقوم على تبسيط الحكاية لغة وأسلوبا (طريقة تقديم الحكاية) ومعجما (شرح الكلمات/ الأعلام/ الأحداث/ الأماكن والمواقع..).
وبالإضافة إلى هذا وذاك تلتقي هذه ” الأنماط ” في ” الهاجس ” الديداكتيكي إلى الحد – كما سبقت الإشارة – الذي جعل منها ” واجبات ” مدرسية، أو، في أحسن الأحوال، محطة من محطات استكمال المقررات والبرامج المدرسية في هذه المادية أو تلك.
3) ‘‘الحكاية – المصورة ’’: وهي في أغلب الأحيان، اقتطاع من شرائط مصورة ” B.D “ومرجعيتها لا تتجاوز Walt Disney ” والت ديزني ” بالرغم من محاولات المغربة أو التعريب بأبعاد أخلاقية يعاقب منى خلالها الشرير، ويثاب الخير. هكذا تكلم الحذاء بعد أن حمل أنفا وعينين، وتباكى الغراب وهو يسوي ربطة عنقه بالألوان… الخ. وكثيرا ما تتداخل هذه الصور بصورة الإشهار، خاصة المرئي منها، عن طريق استيحاء بنيات الخطاب الإعلاني [التكرار/المفارقة المضحكة/دلالة الألوان مثل السواد المفارق للبياض/الدعاية المغلفة لقيم معينة/ “الكولاج” المقصود أو غير المقصود خاصة بالنسبة لملامح الشخصيات المفتعدة لا لطابعها الخصوصي..]
4) الحكاية المتخيلة: وهي التي تقوم على خلق عالم متخيل من أحداث وشخصيات وأمكنة. ولا شك أن هذه التجربة تسمح بالتعامل مع مستوى الأدبية المفتقدة في العديد من هذه الكتابات، وذلك من خلال الآتي:
1) – خلق قصة، مخيلة أو واقعية، تقوم على الصراع الدائم بين ثنائيات ضدية متداولة، مع دخول طرف ثالث – كما هو الشأن في البنية الحكائية التقليدية – يدعم البطل، ويسمح بتحقيق الانتصار. والطرف الثالث قد يكون أداة عجائبية، أو موقفا إنسانيا.
2) – خلق الشخصية الحكائية (القصصية) ذات البعد الواقعي. وتقوم هذه الشخصية، في معظم الأحيان على انتمائها للنوع البشري قبل انتمائها للكائنات الحية الأخرى من حيوان ونبات…الخ
3) – تقوم هذه الكتابات عادة على بنية ” الأحدوثة “، L’anecdote وطبيعة الأحدوثة تفرض بحكم انتمائها إلى الأنواع الحكائية الصغرى، خضوعها ل – “الاكتمال” المسبق المتوفر، عادة، في الحكم والأمثال، هذه الأخيرة التي تنشأ عن حكايات سابقة، أو أنها – من جهة أخرى – تمهد لحكايات تالية. فالمثل، في جوهره، حكاية سابقة أو لاحقة [انظر، مجمع الأمثال ل ” الميداني ” على سبيل المثال].
ولغل هذا ما يبرر الطبيعة الأخلاقية لهذه الكتابات، كما أن من جهة أخرى – شخصياتها لا تعدو أن تكون أدوات لتنفيذ مراحل الحكاية.
4) – بالرغم من خضوع هذه الكتابات لحكي أفقي، فإن ” الكاتب ” يستحضر عناصر مؤثرة من مجاله الخاص خاصة من مرحلة الطفولة، مما يوقف حركة السرد الخطية، بهدف خلق شخصية ” إيجابية ” تتجاوز واقعها السلبي المحكوم بالفقر والعجز والخوف. وعملية انتقال هاته تقوم على وسائط لغوية يستعمل فيها الأفعال الماضية الناقصة بصفة خاصة.
5) – يلعب المرسوم دورا هاما في إيضاح المكتوب. وفي كثير من الأحيان كان المرسوم عنصرا في استكمال مسار الأحداث أو ” تبئير ” المواقف واللحظات الجوهرية في مسار الحكاية. ومن ثم، فإنه يلعب هذا الدور الترميمي من خلال ملء ثغرات المكتوب، أو “توسيع” دلالاته (تجربة “سعيد سوسان” مثلا) (3).
6) – وقد يلعب المرسوم دورا سلبيا عند اتخاذه للملامح التالية:
+) ملمح الرسوم النمطية التي تقدم الشخصية بلباس ” ألف ليلى ” (4) بالرغم من اختلاف الموضوع والحدث والمكان. (انظر على سبيل المثال، “سلسلة قصص تاريخ المغرب للأطفال” ل “مجموعة من أساتذة التاريخ “(5)
+) وأدى ذلك إلى غياب الخصوصية التعبيرية أو الجمالية للمرسوم سواء على مستوى النموذج الذي نفتقده في هذه الكتابات (لا وجود ل ” Tintin ” أو ” Astérix “/ الإخوة “دالتون” – Les Daltons سلبياتها وإيجابياتها بالرغم من ثراء التاريخ المغربي من جهة، والواقع من جهة ثانية.
كما أن هذه الخصوصية تفتقد أيضا من حيث التعامل مع طفل محدد. فطفل الشواطئ يختلف عن طفل الجبال، وهذا الأخير يختلف عن طفل الصحراء.
إن التاريخ الوطني المشترك لا يمنع من إيصاله إلى الطفل بأساليب محلية وخصوصيات إقليمية تمتن أواصر الأطفال مع ميراثهم المشترك (5).
7) وهذا يقتضي من الممارس لهذه الكتابات – الكتابات التاريخية خاصة – أن يضع أمام ذهنه طبيعة العلاقة مع التاريخ. فالكتابات الناجحة في هذا الميدان هي التي تلتقط أبطالها من جوهر المرحلة التاريخية وذلك من خلال:
1) -الابتعاد عن إعادة إنتاج ما أوردته المدونة التاريخية… وهناك كتابات عديدة لا تتردد في تقديم نبذة تاريخية عن الشخصية في الصفحة الأخيرة بعد أن كانت الصفحات السابقة مجرد تمطيط للمعلومات التاريخية.
2)- الابتعاد على مشهوري (6) هذه المدونة، وهم يتوفرون، عادةن في الكتب المدرسية والمقررات التعليمية والأجهزة الإعلامية. الإديولوجية للدولة. فالتاريخ يصنعه المهمشون أيضا.
3)- وعملية الابتعاد تؤدي إلى البحث عن المهمشين أو البسطاء أو البعيدين عن الأضواء … وتحويلهم إلى شخصيات تاريخية. في “سلسلة ” Astérix ” لا تقدم ملوك “ايغال” أو عظمائهن، بل إنها تقدم نماذج معينة، تشكل التاريخ الموازي للتاريخ الرسمي.
4) -كما أنها من ناحية أخرى تمتلك قدرات ذاتية، تمكنها من الانتصار أو التخلص من المآزق المفاجئة.
وتختلف هذه القدرات بين شخصية وأخرى. فهي أحيانا إمكانات جسدية، وأحيانا أخرى إمكانيات عقلية، بل إنها قد تنتصر، في كثير من الأحيان، بسبب سذاجتها أو حسن نيتها (7).
5) -إن الجمع بين الهاجس المعرفي والممارسة الحكائية، يسمح بتقديم النص الناجح، خاصة إذا تم توظيف عناصر مؤثرة [أصوات/ موسيقى] فضلا عن الجانب المعجمي والتعدد اللغوي [الترجمات المختلفة]، انظر: حكاية شمس الدين ونور الدين: شريط/ معجم، عربي – فرنسي، مالك/ روث كرويشار. وبالرغم من صدور هذا الشريط تحت إشراف بعثة أجنبية، فإن تميزه بالإلقاء السليم من قبل إحدى المذيعات المغربيات، فضلا عن مصاحبة القانون أحيانا، والناي أحيانا أخرى… ذلك ساهم في إخراج هذه التجربة الناجحة. /..
د. عبد الرحيم مودن
هوامـش:
1) – يمكن الرجوع، على سبيل الاستئناس، إلى “سلسلة من روائع الأدب العالمي للناشئين “، التي تتم فيها ترجمة آثار عالمية [والترسكوب/ هنري جيمس/ إجال ألان بو …] من قبل مترجمين أكفاء مثل” مي التلمساني” /” مختار السويفي ” …الخ.
2) – وهي نظرة تجعل من الطفل و[اليافع] كائنا يتسم بالقصور، في حين إن طبيعة تعامله مع [العالم] يتم من خلال مرجعية محددة ساهمت فيها عناصر عديدة سبقت الإشارة إلى البعض منها.
3) – محمد سعيد سوسان: ولد الأعرج (رواية للفتيان). م عكاظ. 1992.
4) – وهو لباس مستوحى من الإعلام أساسا – عوض أن يستوحى من النصوص – الذي ما زال يقدم مواصفته الثابتة المفارقة للواقع.
5) – تتوفر في السوق المغربية مطبوعات تاريخية متعددة لا تحمل أي إشارة لنوعها الأدبي أو غير الأدبي. وبالرغم من “أهمية” المعلومات الواردة في هذه المطبوعات. فإن طبيعة تقديم المادة التاريخية خضع لمنظور تقني تجسد في التراكم الغزير للمعلومات التاريخية، وكثرة الشخصيات، وتعدد الأسماء والدول، وتوزيع الخرائط والصور والرسوم في مواقع عدة… الخ – والسؤال المطروح: ما الهدف من ذلك؟ هل الهدف هو تقطيع المراحل التاريخية من “الاسطوغرافية” المغربية خاصة الكلاسيكية منها. [نماذج من كتاب الاستقصاء للناصري – الخ) أم نريد تقديم التاريخ بصيغ جديدة تسمح بتقديم الموقف التاريخي عبر شخصيات متخيلة، تقترب من مدارك الأطفال واليافعين، دون أن تسقط في التكرارية والاستظهار انظر:
محمد مسلك: سلسلة تاريخ الغرب الأقصى. أفريقيا الشرق. 1991.
وقد تمتلئ هذه السلاسل بأخطاء معرفية وأبعاد تأويلية غير مقنعة. ” تعني كلمة بربر السكن في البراري المنعزلة، كما تعني اختلاط الأصوات دون فهمها. ” نفسه. 1991. ص، 9.
وللإشارة فإن نماذج من هذه القصص قد لا تحمل اسما مما يمنع من منظور قارئ يمتلك مصداقيته خاصة بالنسبة للأطفال انظر: ” قصص تاريخ المغرب للأطفال ” – مجموعة من أساتذة التاريخ.
6) – إنها شخصيات زجاجية، لا تثير شهية القارئ الطفلي، كما أنها من ناحية أخرى ، قابلة للكسر بمجرد تجاوزها للخط المرسوم. وهذا ما يخالف طبيعة الشخصية في النص الطفلي الذي يقتضي وجود شخصية قابلة للنمو في ذهن القارئ من جهة، وقابلة للإضافة من جهة ثانية. فتجربة ” الأخوين جريم ” بألمانيا، استفادت من القص الشعبي الألماني مع إبقاء الشخصيات المتداولة مفتوحة على كل الاحتمالات والتأويلات والإضافات.
7) – في التراث القصصي المغربي نماذج كثيرة وشخصيات متعددة [ جحا الغربي/ حديدان الحرامي/ حمير جدة/ المهبول/ القوي بطبعاته الخصوصية…الخ ] كما أن الكتابة الأدبية للأطفال تفترض خلق نماذج مركبة تسمح بطرح تصورات عديدة.
ولحد الآن – حسب علمي – لم تتوفر، في هذا الميدان، شخصية قصصية استمرت بشكل مسلسل م خلال صيغ عديدة مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
test
testt