الأستاذ عبد الرحيم مودن
الكاتب والمبدع بهدوء
والمريض في صمت
الصديق عبد الرحيم مودن هو الآن طريح الفراش في صمت وعزلة، يتألم وحده، مازال الاهتمام به محتشما. عرفناه مربيا للأجيال خلال ممارسته للتعليم، وعرفناه بدراساته وإبداعاته. أستاذ أكاديمي لم يتبجح بأستاذيته أبدا. أغنى الأستاذ عبد الرحيم مودن، في هدوء وصمت، المكتبة العربية بتنوع كتاباته، فهو من أوائل الباحثين والدارسين لفن الرحلة، فأصدر، ثمرة لذلك، “رحلة ابن بطوطة الجديدة”، “أدبية الرحلة”، “الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر”. وهو دارس للقصة القصيرة، وهو من أوائل من أفردوا لدراسة القصة المغربية كتبا كاملة، فله كتاب ضخم حول الشكل القصصي في جزأين، “الشكل القصص في القصة المغربية” ومعجم “مصطلحات القصة المغربية”…
في دراساته للرحلة وللقصة المغربية تميز الأستاذ مودن بقدرته الفريدة على تزويد قارئه بأدوات قراءة كتبه، فهو يقف بتمعن خاص عند المفاهيم الرئيسة، سواء كانت تلك المفاهيم كبرى كما هو الشأن مع مفهوم الرحلة وتطوره ومفهوم الشكل في دراسته للقصة المغربية، أو كانت مفاهيم إجرائية من مثل طبيعة أساليب الرحلة وأدبيتها، أو مفاهيم أنماط القصة وتقنياتها الخاصة، فيتلقى القاررئ كتب مودن بارتياح..
وهو مبدع أيضا، فقد فأصدر في القصة القصيرة مجموعات “اللعنة والكلمات الزرقاء”، مع الأستاذ إدريس الصغير، و”تلك قصة أخرى”، و”أزهار الصمت”، و”حذاء بثلاث أرجل”… وقصصا للأطفال والفتيان: “مغامرات ابن بطوطة للفتيان”، “السمكة والأميرال”… ومسرحيات: “مدينة النصوص” كتاب يضم خمسة نصوص مسرحية…
وفي كتاباته الإبداعية يصدر عن معرفة نظرية دقيقة، فالنص القصصي، مثلا، لديه هو ثمرة لقراءاته النقدية المتنوعة والمتعددة، ونتيجة لتجربة ذاتية بمعاناته لوعي ممكن حاد، وغوصه في أنسجة جسد المجتمع… لذلك تكون قصصه نسيجا محكما وأصيلا.
والأستاذ مودن دائم الحضور في الصحافة المغربية والعربية، باحثا ومبدعا، ومشاركته في المنتديات الأدبية معروفة وكثيفة. وقد انتمى إلى اتحاد كتاب المغرب مبكرا، سنة 1976. هذا العطاء المتنوع والوازن والرزين والمتميز يؤهل الصديق عبد الرحيم أن يكون أحد رواد النقد المغربي والإبداع القصصي في المغرب، فهو يكتب وينشر بعيدا عن البحث عن مريدين يصفقون له في مناسبة وغير مناسبة، لو كان فعل لأصبح له شأن آخر في المشهد الثقافي، لكن يمنعه من ذلك تواضعه وأخلاقه ومبدئيته..
هكذا عرفته لذلك أقدر أن الأستاذ عبد الرحيم مودن، ليس كاتبا مغربيا عاديا، يمكن أن يطويه النسيان بسرعة، وإنما هو كاتب حاضر بقوة في المشهد الثقافي، لا يمكن لإبداعه القصصي أن ينسى، ويستحيل أن تختفي دراساته الرائدة حول الرحلة. وغير ممكن أن تتوارى دراسته حول القصة المغربية… بل كل ذلك ينبهنا، بالضرورة، إلى أن هذا الكاتب الأصيل علينا جميعا أن نعتني به ونخفف عنه معاناته لمرضه، فنجده في القريب، مستأنفا دراساته تنتشر في الصحف وتقرأ في كتب جديدة.
وقد عرفته مصرا على التحدي قوي الإرادة، لا يمكن لوعكة مهما كانت حادة أن تسقطه… عرفته كصديق وعرفت من شخصيات قصصه ومن شدة صبره وتحمله مع دراساته. أيضا عرفته من خلال تسكعه على صفحات الصحف والمجلات المغربية والعربية دارسا ومبدعا مساهما. كما عرفته حاضرا ومشاركا وفاعلا في التظاهرات الفكرية والندوات الأدبية والملتقيات القصصية، سواء في المغرب أو في بلدان عربية أخرى.
وعرفته في التنظيم الثقافي باتحاد كتاب المغرب منذ أواخر الثمانينيات. توطدت علاقتنا خلال أكثر من العقدين. عرفته باحثا صبورا، وقد اختار حقلا معرفيا شديد المراس لا يعطي ذاته لأي باحث… عرفته إنسانيا في علاقاته، مبدئيا في مواقفه، هادئا في حديثه، رزينا في تفكيره، تقدميا في رؤيته، متأملا في قراءاته، أصيلا في كلمته. أتمنى له شفاء عاجلا ومزيدا من العطاء الفكري ولإبداعي.