أعيد نشر هذا النص /الشهادة بمناسبة ذكرى رحيل الكاتب المغربي الكبير عبدالرحيم مؤدن.
وداعا سي عبد الرحيم
إلى روح الفقيد عبد الرحيم موذن
محمد الشايب
هل علي أن أمحو رقم هاتفك ؟! و أودع مواعيدك ، و أقلب الصفحات و أغلق الدفاتر؟!
لا ، لم تصلني تهنئة العيد اليوم منك ، فتخجلني لأنك تكون دائما المبادر ، سأفتقدك إلى الأبد، و أفتقد رسائلك و عتابك و غضبك و غيرتك و توجيهاتك و محبتك ، سأفتقدك سي عبد الرحيم إلى الأبد لأني أخطو الآن في أكبر شوارع القنيطرة متجها إلى بيتك للمشاركة في تشييعك إلى مثواك الأخير .
القنيطرة صامتة و هادئة هذا الصباح ، تبدو غير مبالية بالعيد تماما ، تبدو حزينة يا عبد الرحيم ، كيف لا تحزن و أنت من أمطرتها بالحب الغزير ، و خلدتها في قمم العشق . سبو حزين و القنيطرة حزينة ، و العيد أيضا جاء هذه المرة حزينا ، و الشارع المؤدي إلى بيتك يكتب المراثي ، ويحكي قصصك للعابرين .
و أنا أخطو في شوارعك المفضلة ، و أدوس أيامك الملونة بشتى الألوان ، كانت الصور غزيرة ، تتعدد الأمكنة ، و تختلف الفصول ، و يظل سي عبد الرحيم هو نفسه ، بنفس الصدق و نفس الدربة و نفس العمق و نفس الغيرة .. ، ثائرا عرفتك دائما ، جريئا و منتصرا للحق ألفتك دوما .
تعددت اللقاءات في القنيطرة عشقك الأبدي ، و في مشرع بلقصيري ، و في الدار البيضاء و الرباط و مكناس و مراكش .. ، تعددت اللقاءات و اختلفت ، و ظلت صورتك هي نفسها ، و ظل حضورك هو نفسه .. ، و لما بلغني و بلغ الأصدقاء خبر مرضك ، قصدناك ، و طرقنا بابك ، فتحديت المرض ، و وقفت مرحبا ، فسبقتك الدموع على غير عادتك ، ثم سارعت إلى مسحها بكبرياء الشهامة ، وأخذت تسأل عن اتحاد الكتاب ، و عن جديد الإبداع و المبدعين ، ثم نهضت تغالب المرض و تنادي بإكرام ضيافتنا ، أمضينا وقتا رفقتك اختلطت فيه صور الدموع و الآهات و الضحكات و الكرم .. ، و امتطينا خلاله صهوة الذكريات ، و تواعدنا على اللقاء في موعد قريب .
و فعلا التقينا و كنت بطل لقائنا ، امتلأت القاعة بالأقارب و الأ صدقاء و الزملاء و القراء .. ، و فاحت رائحة الحب من ضفة الكلام و من ضفة الصمت . كانت أمسية رائعة توسطت قلب القنيطرة ، و كنت رغم المرض بشوشا كريما ودودا ، ألقينا في حقك الكلمات ، و التقطنا معك الصور ..، ثم افترقنا ، و كانت آخر جملة سمعتها منك و أنت تستعد لركوب السيارة ” سير را نت معروف …” كنت تخاطب مازحا أحد أصدقائك القدامى ..
ومرت أيام قليلة ، علمت بعدها أنك سافرت من جديد إلى هولندا لإتمام العلاج ، ثم انقطعت الأخبار في غمرة أنباء الحروب و في عز العطلة و الصيف و رمضان إلى أن أيقظني ذات صباح رمضاني هاتف الصديق المبدع المصطفى كليتي ، حيث اندفع صوته الهادئ يقول :” سي عبد الرحيم موذن في ذمة الله “
سلاما أيها الودود
سلاما حين تغيب الشمس ، و حين تعود
ستظل القنيطرة تذكر أنك مررت من هنا مرور الكبار
و أنك نسجت أحلى الحكايات ، و رفرفت رفقة الفراشات ، و غنيت مع الطيور
ستظل تذكر أنك رسمت أجمل الأحلام ، و سرت في الطرق الوعرة ، و تسلقت الجبال
سنظل دوما نذكرك
وداعا سي عبد الرحيم.
*نشرت هذه الشهادة في العلم الثقافي عدد يوم أمس الخميس 11 شتنبر 2014