16 – يونيو – 2006
مخطوط فاز عنه محققه بجائزة إماراتية رفيعة: الرحلة التتويجية إلي عاصمة البلاد الإنكليزية
الطاهر الطويل
مخطوط فاز عنه محققه بجائزة إماراتية رفيعة: الرحلة التتويجية إلي عاصمة البلاد الإنكليزية ضمن سلسلة ارتياد الآفاق التي تنشرها دار السويدي للنشر والتوزيع بالإمارات العربية المتحدة، صدر كتاب يحمل عنوان الرحلة التتويجية إلي عاصمة البلاد الإنجليزية لمؤلفه الحسن بن محمد الغسّال. والفضل في ظهور هذا الكتاب ووصوله إلي يدي قارئ العربية المعاصر، يعود للأديب والناقد المغربي الدكتور عبد الرحيم مودن، الذي قام بتحقيق المؤلَّف وتقديمه، فاستحق علي ذلك جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي برسم سنة 2003، وهي الجائزة التي تمنحها دار السويدي، سنويا، لأفضل الأعمال المحققة في أدب الرحلة والمؤلفات الجغرافية العربية والإسلامية، قديما ووسيطا وحديثا، ولأفضل كتاب جديد في أدب الرحلة المعاصرة.من يكون صاحب هذه الرحلة؟يعرّفه الدكتور مودن بأنه ينتمي إلي أسرة كانت لصيقة بالسلطة المخزنية في المغرب، أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مرحلة تميزت باشتداد الصراع بين البلدان الاستعمارية الأوروبية من أجل بسط السيطرة علي المغرب. ويشير صاحب التحقيق إلي أن الحسن بن محمد الغسّال كان يمارس نشاطا دبلوماسيا واسعا، منذ أيام السلطان مولاي عبد العزيز إلي عشرينيات القرن الماضي، تجلي بالخصوص في المحطات الرئيسية التالية:ـ حضور الغسال مؤتمر المندوبين بالدار البيضاء، بغية إيجاد حل للمطالب الأوروبية الصاعدة؛ـ تمثيله للسلطة المخزنية ـ وهذا هو موضوع الكتاب ـ في احتفالات تنصيب أو تتويج إدوارد السابع ملك إنكلترا سنة 1902 (1320 هـ)؛ـ مرافقته للسفير المغربي آنذاك المتوجه نحو جبل طارق لملاقاة العاهل البريطاني إدوارد السابع أثناء زيارته لهذه المستعمرة الاستراتيجية.ـ تعيينه من لدن السلطان مولاي عبد العزيز في مجلس الأعيان، لمحاور السفير الفرنسي وبرنامجه المقترح لإنجاز إصلاحات تحديثية معينة لأهداف واضحة .ـ تعيينه كاتبا في لجنة التعويضات بعد انتفاضة الدار البيضاء سنة 1906، زمن السلطان مولاي عبد الحفيظ؛ـ ارتباطه بأحداث كبري، من خلال تمثيله للسلطة المركزية عبر وفود أو لجان مختصة كلجنة دراسة قضايا الحدود المغربية الجزائرية، ولجنة الاطلاع علي ديون الأجانب أو دار النيابة ، ولجنة المنازعات بين السكان المغاربة والمعمرين الأجانب.وكما جاء في التقـــديم، فإن ميلاد الغسال كان بمديــــنة طنجة، في حين سلم الروح لبارئها بمدينة مراكش التي كان يسافر إليها بين الفينة والأخري، وعنها دوّن كتابه الرحلة المراكشية الذي يعكس ارتباطه بهذه المدينة وأهلها الذين جمعتهم به صداقات روحية وفكرية عديدة.ويتوقف الدكتور مودن عند وصف المخطوط، فيقول إنه يحمل عنوانا دالا علي موضوعه المركزي المتمثل في تقديم المستحدثات لمتلقٍ رئيسي، هو السلطة المخزنية، ثم تأتي عينة أخري من المتلقين هي النخبة المؤثرة في المسار العام للدولة من فقهاء وكتاب دواوين وعلماء وأدباء ورجال سلطة وما تبقي من مبعوثين سابقين إلي الدول الأوروبية. ويشير مودن إلي أن النص نشر مترجما إلي اللغة الفرنسية في بداية القرن العشرين، ونشر باللغة العربية سنة 1979 من لدن الأستاذ عبد الهادي التازي بمجلة البحث العلمي ، لكن التازي لم يرفق بالنص سوي إشارات وإضاءات عامة وقليلة جدا، دون أن يعمل علي تحقيقه، وهي المهمة التي أناط مودن بها أحد طلبته في قسم الإجازة.وعند تحليل مميزات رحلة الغسال وأبعادها ودلالاتها، يوضح المؤلف أن النص ـ علي غرار بقية النصوص المغربية المتجهة نحو الآخر أو الأجنبي في القرن 19 وبداية القرن العشرين ـ خضع لإكراه مركزي ساد هذه المرحلة، مجسدا في حدّي الانفتاح والانغلاق، ذلك أن السلطة المخزنية تأرجحت بين الرغبة في معرفة الخارج والرغبة في الحفاظ علي استقلال البلاد. ويلاحظ أن النخبة تعاملت مع الحداثة من خلال الغرب الغازي، وانقسمت ـ نتيجة لذلك ـ إلي فئتين: فئة محافظة تري في الحداثة مرادفا للكفر والفساد، وفئة متفتحة تري في الخارج ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ مكانا للاستفادة. ويستخلص من خلال هذين الأسلوبين حضور أسئلة التحديث لدي الرحالة المغربي، سواء رغب في ذلك أم لم يرغب؛ بل إن التيار المحافظ أو الرافض لهذه الحداثة أحس بوطأتها أو زحفها المتواصل علي العالم، فرصد التجربة من موقع سلبي لم يلغ الحداثة التي انتشرت علي الرغم من الجميع. كما يلاحظ أن العلاقة بين الأسلوبين المشار إليهما لم تكن علاقة قطيعة مطلقة، بل كانت المسافة بين المحافظة والتجديد تضيق أحيانا وتتسع أحيانا أخري، فوجدنا في كثير من الأحيان الحداثة المحافظة والمحافظة التحديثية أيضا. ويؤكد الدكتور مودن أن نص الغسال الذي اتجه فيه إلي إنكلترا من أهم النصوص الداعية إلي التحديث بأسلوب يتقاطع مع نصوص الحداثة أواخر القرن التاسع عشر ويوازيها في آن واحد، بأسلوب محايد لم يتردد ـ بين الحين والآخر ـ في تثمين الكثير من المنجزات.ويؤكد المحقق أن الغسال تحرر من الأحكام المسبقة التي تحكمت في غيره من رحالة تلك الفترة، فلا وجود لديه لذلك التعارض الشهير بين دار الكفر و دار الإسلام علي الرغم من الأجواء المتوترة والمهيمنة علي علاقة المغرب بغيره من الدول الأوروبية آنذاك، فهذا الرحالة يصف ـ دون أن يخفي إعجابه بهذا العالم ـ من موقع ممثل رسمي لدولة لها كيان وتاريخ، كما التفت إلي بعض عناصر القوة في التجربة الأوروبية والتي لم تحظ بالاهتمام لدي باقي الرحالة، كحديثه عن التجربة البرلمانية في بريطانيا، وإشارته الذكية إلي قوة انكلترا الاقتصادية المرتبطة بـ مستعمراتها ، وحرصه علي تقديم التاريخ الميلادي بجانب التاريخ الهجري الذي كان سائدا عند معظم الرحالة، وهو ـ بحسب المحقق ـ مؤشر علي تحول التاريخ لصالح الآخر (الغرب أو أوروبا).ثم تطرق إلي أقسام الرحلة التتويجية ، وذلك علي النحو التالي:1 ـ الغرض من الرحلة مع تعريف موجز بالوفد الرسمي للرحلة من سفير وكاتب وأمين.2 ـ ركوب البحر وملابساته البروتوكولية، دون نسيان وصف السفينة ومكوناتها وخطها العام الذي سلكته قبل الوصول إلي انكلترا.3 ـ الوصول إلي بلاد الانجليز وتفصيل القول في مختلف مظاهرها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والترفيهية والعسكرية.4 ـ العودة إلي المغرب والوصول إلي طنجة، بعد المرور بجبل طارق.ويري الدكتور مودن أن دعوة الغسال ـ وغيره من الرحالة ـ إلي تحديث البنيات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية في المغرب واجهتها إكراهات أساسية، من بينها أن تلك الدعوة جاءت من موقع ضعف الدولة وتفككها عوض عن أن يكون منطلقا من موقع قوة وتماسك، علاوة علي كون العديد من الرحالة المغاربة ـ ومن ضمنهم الغسال ـ ظلوا خاضعين لمرجعيتهم التقليدية ثقافيا، دون أن يمنع ذلك من وجود حالات تفاوت بين هذا الرحالة أو ذاك. ولكن، في كل الأحوال، لم يتسم الرحالة المغربي بالجرأة في دعوته الحداثية… بل ظل مشدودا إلي مرجعيته التقليدية من جهة، وعيون النخبة المحافظة التي لا تنام من جهة ثانية.أما ما ميّز الغسال عن معاصريه من الرحالة المغاربة، فهو ـ كما يقول المحقق ـ التزامه الحياد في عرضه للمستحدثات دون إصدار أحكام قيمة، ولا أثر للهجاء أو النقد اللاذع لمظاهر الغرابة في المجتمع الأوروبي، وابتعاده عن الجانب الديني الذي شكل محط رفض وإدانة من لدن العديد من الرحالة، ولعل ذلك يرجع إلي تفضيله للجانب العملي أو النفعي في الحداثة، وإعجابه الرصين بالمظاهر العجيبة والغريبة في هذا المجتمع، مع الإصرار المتواصل من قبل الرحالة علي الفهم والتفسير والتأويل.ويخلص الدكتور مودن إلي القول إن الغسال استطاع امتلاك رؤية معينة لـ الآخر بعيدة عن الانبهار الساذج أحيانا، أو الرفض المطلق أو القبول النهائي أحيانا أخري. وهو في رحلته يقدم ما يراه بنوع من الرصد الموضوعي الذي لا يفرض التموقع لصالح جهة ما، علما بأن زمن الرحلة كان يفرض الاعتراف بالقوانين الجديدة المتحكمة في العالم
.كاتب من المغرب
