محمد الهجابي 2014-07-29
بألم وحسرة كبيرين تلقى المشهد الثقافي والأدبي والعلمي المغربي نبأ وفاة الكاتب المغربي الكبير سي عبد الرحيم المودن صباح يوم الأحد 27 يوليوز في هولندا بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج. كان الرجل استثنائياً بما عرف عنه من غزارة كتابة وتنوع لحقولها وسعة في خلفياتها المعرفية والفكرية والثقافية. كتب في القصة القصيرة بخاصة للكبار كما للصغار فأفصح وأجاد، وكتب في المسرحية فأمتع وأفاد، وكتب في المقالة الصحافية فأتقن وأبلغ، وكتب في الرحلة فعرف بمتونها وآلياتها وسرودها، وكتب في النقد فحلل وركب ووضع خلاصات في الفهم وتحديد المصطلحات والمفهومات، وكتب في الدرس الأكاديمي فعزز المكتبة العربية بأطاريح وإصدارات في المعجم والتراث العربي الأدبي، ولا سيما منه الأدب الرحلي. ولم يكن ليخلف موعداً من أجل المشاركة برأي وتقديم دعم ونشر معرفة بالمدرجات الجامعية وبالقاعات العمومية وعلى أعمدة الصحافة والمجلات الثقافية والأدبية والعلمية. رجل من هذا الطراز لم يكن ليعبر بالمشهد الثقافي والجامعي المغربي على وجه الخصوص دون أن يبصمه بآثاره وتآليفه. كان الرجل مداوماً على الكتابة وكأنما هي ليمه. وشارك بصفاته تلك في عدة ملتقيات وطنية وعربية. هذا الحضور الوارف والحاضن والدافئ سيفتقده الجسم الثقافي المغربي والعربي بعد اليوم. لم يعد سي عبد الرحيم بيننا. لم يعد كذلك سوى بما خلفه من منشورات وكتب ومقالات وحظوة فارزة وسمعة طيبة وأثر جميل في عقول طلابه وأفئدة محبيه وأصدقائه ومجايليه. أطلقت جائزة باسمه في القصة القصير من طرف جمعية أنصار للثقافة بمدينة خنيفرة، وكرم بمشرع بلقصيري (جمعية النجم الأحمر) والدار البيضاء (الصالون الأدبي) . والأمل في أن تلتفت مختلف الهيئات من كلية ومؤسسات تعليم وثقافة وهيئات مدنية، وفي مقدمتها بلدية القنيطرة في تكريمه على عدة أصعدة بنشر أعماله كاملة من طرف وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب، وإطلاق اسمه على مواقع عمومية، وتكريس أثره بما يليق بشخص عمومي من عيار الكاتب والأديب الأستاذ الجهبذ سي عبد الرحيم المودن .
بعض من سيرة الفقيد ومن مؤلفاته:
– ولد سنة 1948 بمدينة القنيطرة (المغرب).
– حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي سنة 1987، وعلى دكتوراه الدولة في الأدب (سنة 1996) برسالة تحت عنوان: «السرد في الرحلة المغربة خلال القرن 19»
– اشتغل مدرساً بثانوية مولاي اسماعيل بمكناس.
– اشتغل أستاذاً جامعياً بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة.
– كان عضو النقابة الوطنية للتعليم العالي.
– عضو مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية، بكلية آداب القنيطرة.
– رئيس مجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني، بكلية آداب القنيطرة.
– التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1976.
– نشر أول نص قصصي (ريالات خمسة) سنة 1966 بصفحة أصوات بجريدة «العلم»،
– اهتم بالكتابة القصصية وبالبحث النقدي، كما كتابات مسرحية وإبداعات موجهة للأطفال.
– نشر أعماله بعدة صحف ومجلات: العلم، المحرر، أنوال، وأنوال الثقافي، الثقافة الأجنبية، الأقلام (العراق)، أقلام (المغرب)، فكر ونقد (المغرب)، الطفولة العربية (الكويت)، نزوى (عمان)، المناهل (وزارة الثقافة والاتصال، المغرب)، الثقافة المغربية (وزارة الثقافة والاتصال، المغرب)، الكلمة، المحلاج.
أصدر المؤلفات التالية:
– اللعنة والكلمات الزرقاء: مجموعة قصصية مشتركة/عبد الرحيم مودن وإدريس الصغير، دار لخليف، الرباط، 1976.
– الشكل القصصي في القصة المغربية (جزآن)، الأول، دار الأطفال، البيضاء، 1988، والثاني، دار عكاظ، الرباط، 1996.
– وتلك قصة أخرى: قصص، عيون، البيضاء، 1991.
– معجم مصطلحات القصة المغربية، سال، النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1993.
– قصص للأطفال والفتيان: حكايات طارتاد، دار الأطفال، البيضاء، 1988.
أ – مغامرات ابن بطوطة للفتيان، دار الثقافة، البيضاء، 1999.
ب – رحلة ابن بطوطة الجديدة، دار الثقافة، البيضاء، 1999.
ج – رحـلات مغربية وعربية، دار الثقافة، البيضاء، 2000.
– أدبية الرحلة، البيضاء، دار الثقافة، 1996.
– أدب الأطفال: مغامرة ابن بطوطة للفتيان (في 9 أجزاء)، البيضاء، دار الثقافة، 1999.
– مستويات السرد في الرحلة المغربية (2006)
– الرحلة في الأدب المغربي (2006).
– تحقيق رحلة الحسن بن محمد بن الغسال الطنجي إلى انجلترا (2003) والذي حاز به على جائزة ابن بطوطة عن مركز ارتياد الآفاق.
وشخصياً أحتفظ للأستاذ عبد الرحيم المودن بذكريات جميلة منذ بداية سبعينات القرن 20 بمدينة مكناس. فقد اتفق أن كان يشرف علينا، نحن ثلة من تلامذة ثانويات مكناس ضمن حلقة من محبي القصة القصيرة، في سياق برامج النطاق الثقافي (حمرية) للمدينة. إذ كان يجتمع بنا على رأس كل أسبوع تقريباً لقراءات في محاولاتنا القصصية المتواضعة والمحتشمة. وكان ينصت إلى هذه القراءات التي يكاد يصير الإصرار على استمرارها طقساً أسبوعياً، وكان يدلي برأيه في موضوعاتها وطرائق تحريرها. وأذكر له مشاركاته في النقاش الجاري بالنطاق الثقافي وكذا في أشغال جمعيات المدينة ومن ذلك “جمعية البعث الثقافي”. وعندما عاد الأستاذ عبد الرحيم إلى مدينته القنيطرة مدرساً ومربياً على مستوى التعليم العالي وبخاصة بكلية الآداب جامعة ابن طفيل سألتقيه في أواسط الثمانينات لأنجز معه حواراً حول تجربته الإبداعية، بإيعاز من الأستاذ سعيد يقطين، نشر على أعمدة جريدة “أنوال”، ثم تواترت لقاءاتي به في مقاهيها وبالكلية وقاعات المدينة. وشوارعها، إلى أن شاهدته في أحواله الصحية المتدهورة والصادمة تلك خلال يوم تكريمي نظم له بقاعة الغرفة التجارية بالقنيطرة شهر ماي سنة 2014 من طرف اتحاد كتاب المغرب (مكتباً مركزياً وفرعاً محلياً). هذا وقد نعى اتحاد كتاب المغرب وفاة الكاتب المرموق عبد الرحيم المودن في بلاغ خاص. ويذكر أن كاتبنا كان غادر المغرب إلى هولندا بقصد مواصلة العلاج، غير أن المرض لم يمهله طويلاً فتوفي على الساعة الحادية عشرة من صباح 27 يوليوز الجاري. وهكذا، فبرحيل الرجل تخسر الساحة الثقافية والعلمية المغربية والعربية، ولا شك، أحد رجالاتها الأبرار وأحد كتابها الأخيار.
وداعاً سي عبد الرحيم المودن والرحمة لك وعليك.
محمد الهجابي (القنيطرة- المغرب)