عبد الرحيم مودن نشر في العلم يوم 25 – 11 – 2008
صورة مرعبة تتكرر عند اشتعال الضوء الأحمر. تتوقف السيارات والدراجات والشاحنات، ويخرج من صلب كل ذلك بائعو العصي المصفوفة في كراطين صغيرة، أو المحمولة على سواعد يافعين ومراهقين لايتوقفون عن اللف والدوران حول السيارات وسائقيها بحركات استعراضية توحي بالاستعداد لمباراة ما…
هل هناك بلد تباع فيه العصي بهذه الطريقة المستفزة؟ لا أعتقد. والأمر لايتعلق بعصي عادية بل ب [الزرواطة]، أو النبوت الذي لم يدخر أصحابه جهدا في تزويقه، وتجميله، بعد تمتينه وتدويره وتكعيبه ليحقق الضربة القاضية أو المميتة!!
بيع هذه العصي هو بمثابة بيع سلاح معين بالعلن. وبيع السلاح يحتاج إلى ترخيص من جهة، والى ضرورة الدفاع النفس مثلا من جهة ثانية. والأمران غير واردين بحكم انتفاء الترخيص لهذا النوع من السلاح، وبحكم، من جهة أخرى، التجمع الإنساني، الذي يخضع للعقوبات والجزاءات القانونية عوض قانون الغاب الذي انتقل إلى مناطق التمدن من ساحات وفضاءات وتقاطع طرق.. الخ.
قد يقول قائل: بيع العصي لسائقي السيارات هو نوع من الدفاع عن النفس في حالة حدوث عدوان ما وبالرغم من انتشار ظاهرة الاعتداء، بأنواعها، في البر والبحر والجو، وهذا لاينكره إلا مكابر، بالرغم من ذلك، فبيع هذه العصي تحريض على العدوان بكل الأشكال.
وقد يقول قائل: إنه مهنة من المهن المقنعة!! ولكن، متى كان القتل أو الدعوة الى الإعتداء مهنة من المهن!! ولو كان في سبيل لقمة العيش!!
وعوض أن يباع ما يفيد الناس، وعوض ان يطمئن الناس على أرواحهم وممتلكاتهم، وأن يشعر الصغار المرافقون لأسرهم بحلاوة العيش لو وزعت ورود بسيطة، مثلا، عوض عصي متحفزة، عوض أن يتحقق ذلك يتم استعراض العصي وأشكالها.
فمنها ما يشبه عصي «البيزبول» الأمريكية وضرباتها ذات شهرة دولية كما عكست ذلك حالات من الإجرام النموذجية في أشرطة شهيرة . ومنها ما يشبه زراويط «الكوم» ذات القبضات المزروعة بمربعات تمنع الإنزلاق، وذات جسد ملفوف لفات المتانة والصلابة، ومنها ما يحاكي عصي حراس الدروب والأزقة التي تبدأ رفيعة وتنتهي بدبوس مثل جمجمة مهملة!!
إن مشاهدة هذه الصورة المتكررة في لحظات الذروة، يخلق إحساسا لدى المتلقين، بعدم الإطمئنان، إحساسا بتوقع الشر لدى الكبير والصغير، وهو بالإضافة الى هذا وذاك، دعوة للتهييج المرضي، بل إنه نسف لقيم التمدن والمواطنة والتعايش، ونشر للكراهية والتوجس والرعب.
هذا المقال يحتوي على: 44 كلمة.