هذا المقال يحتوي على: 217 كلمة.

حجم الخط

remove add

ها أنت تعود من جديد !!
(لوى الأعمى عنقه يسارا، مرهفا السمع لإيقاع جسم صلب يكشط الأسفلت.. كشط.. ك.. ش…ط)
– هل ورثته عن أبيك؟ !!
أضاف الأعمى، وهو يترقى، بأصابع مرتعشة الحائط القصير الذي وازى الخصر تماما.
ياله من صباح مبروك؟ ! كلام يطرد اللقمة من الفم !
(ولم يتوقف المقعد عن التجديف بضربات سريعة بقبقابيه الخشبيين وهو يكرر اللطيف مرات عديدة.. وبقفزة رشيقة استقر عن يمين الأعمى، وركن القبقابين الخشبيين جانبا، وانطلق يصفق بكفيه صامتين.
الأعمى : هل عندك سيجارة؟
المقعد : مازلنا على باب الله !
الأعمى : الخير كثير..
المقعد : ها أنت ترى بعينيك.. لم أسخن مكاني بعد.
الأعمى : بدأت بقلة الأدب. سترى من الأعمى؟ ! وقبل أن يكمل الأعمى كلامه، كان المقعد يدس بين أصابعه نصف سيجارة مشتعلة بعد أن جذب منها نفسا طويلا.
الأعمى : يا له من زمن !! حتى فضلات المقعدين أصبح لها شأن !
المقعد : شمر عن ساعديك واخرج ما في جيوبك.. كل شيء سيأكله الدود والتراب.
الأعمى : إذا أخفيت عنك شيئا، فليذهب الله ببصري وبصر أولادي.
المقعد : اترك ذريتك بسلام. أما…. !! لا داعي للكلام السخيف، وهذا الجمال يسكت الجلاميد..
الأعمى : تابع .. لا تتوقف
المقعد : سيجارة شقراء كاملة
الأعمى : قبلت
المقعد : ماذا أرى.. لا يسترها أي شيء.. هذه راقصة دون أن يسمع لها حس.. غزال !!.
الأعمى : لعل ذلك هو ما منعني من رؤيتها.
المقعد : أصبحت ترى الآن !
الأعمى : اقصد سماعها.. آسيدي.. العجب العجاب.. والشحم يضحك على الكباب..
المقعد : اللهم العمش أو العمى.
الأعمى : ماذا ستفيدك هذه المؤخرة المجلدة؟! كومة عظام تزحف وأنت، طولا وعرضا،لا تتجاوز ارتفاع مخلاة بغل !!
المقعد : ومع ذلك أرى بعيني.. والرحيم الله.
الأعمى : ماذا ترى؟ !
المقعد : تلك التي لم ترها الآن.
الأعمى : رأيت الكثير.. هذا الذي هو أمامك الآن كان معبود الكثيرات..
المقعد : عجبا؟ ! رشدي أباظة في أيامه !
الأعمى : كل منا رشدي أباظة نفسه
المقعد : مهلا.. لم افهم؟!
الأعمى : أنت أدرى بضربة الأعمى.. قليلا ما تخطئ.
المقعد : .. انتظر قليلا.. ماذا يعلق هذا المأفون؟!
الأعمى : مرشح انقطع به الحبل.. أو كما قال جاري وهو أعمى أيضا، مرشح “الأوتوستوب”!
المقعد : القط عندما لا يصل إلى الرئة، يقول ماذا؟
الأعمى : يقول هي من نصيب المقعدين!!
المقعد : جديا.. لو رشحوك، ما هو برنامجك؟
الأعمى : تطهير المدينة من المقعدين.
المقعد : اتق الله.. من سيقودك إلى التجمعات الحاشدة؟
الأعمى : لا اقصد مقعدي الأرجل.. يا لطيف.. اقصد مقعدي الأدمغة!
المقعد : اعترف بعجزي عن مسايرتك.. بداية انتخابية صعبة!
الأعمى : غريب.. انظر حواليك، أليس هو العمى بعينيه؟
المقعد : أرى كل خير.. الحوانيت عامرة، والشارع ينغل بالبشر، والحسان في كل مكان. والوجوه ضاحكة..
الأعمى : قلنا معطوب، لا غبار على ذلك.. لا شماتة لمخلوق في صنعة الخالق.. إما أن تكون.. معطوب الحس، فهذا أمر خطير!!
المقعد : هاهو ملصق جديد!
الأعمى : أسرع، ماذا يقول هو الآخر؟
المقعد : كم تدفع ثمنا لذلك؟
الأعمى : يالها من صداقة فريدة من نوعها!
المقعد : الصداقة لا توجد في التلاوة المفسرة. الصداقة ليست صدقة؟!
الأعمى : سيجارة واحدة تتجاوز قامتك المغروسة في المزبلة.
المقعد : هاهي السجائر بدأت تطل برأسها الأشقر..
الأعمى : أسرع، ماذا يقول الملصق؟
المقعد : انتظر، في الملصق، آسيدي، كيخ كيخ..
الأعمى : مقعد وثقيل الظل!!
المقعد : أعمى.. و.. خفيف العقل؟ !
الأعمى : كفى هراء!
المقعد : سأسامحك هذه المرة .. في الملصق.. شيخات!!.
الأعمى : متى؟ اليوم؟
المقعد : هل تنوي الدخول؟ !
الأعمى : ولم لا؟ !
المقعد : عجبا
الأعمى : سأريحك من هم التفكير.
المقعد : عجبا
الأعمى : عجبا، عجبا! الله يهديك، وكأن الذين يدخلون المسارح ينظرون بعيونهم؟!
المقعد : ينظرون.. بماذا؟
الأعمى : تلك مشكلتك!
المقعد : بدأنا بالنقار، والله وحده يعلم بالنهاية!
الأعمى : .. ومازلنا على باب الله.. من يعين هذا البصير؟
المقعد : من يساعد هذا المعطوب حفظكم الله وحفظ ذريتكم من كل الآفات.
الأعمى : ياله من صباح مبارك!!
المقعد : ماذا حدث؟ غزال جديد؟!
الأعمى : بل ملصق جديد ! ملصقات أكثر من البشر!!
المقعد : ما رأيك لو ترشحنا معا؟ اقصد مرشحين في مرشح واحد.
الأعمى : مرشح “الشهدية”، البرقوق والمشماش.
المقعد : دعك من هذا الهزال السخيف.. ثم، هل هي بدعة؟ !التقى البرقوق والمشماش.
الأعمى : وبدأ “الفلاش”… صدقناك.. ما اسم المرشح الجديد؟
الأعمى : سنطلق عليه “المرشح المشترك” صوتوا على المرشح المشترك الذي يرى بعيونكم..
المقعد : ولا يتحرك إلا بأرجلكم..
الأعمى : مرشح العميان والمقعدين.
المقعد : مرشح كل المعطوبين.
الأعمى : المرشح الذي يرى ما لا تراه العين الصحيحة!
المقعد : المرشح الذي يصل إلى أقصى الدنيا دون أن يتزحزح من مكانه.
الأعمى : اعترف أنني عاجز عن مجاراتك في هذا السخف؟ !
المقعد : أن تكون أعمى، أمر مقبول.. ولكن، العمى والبلادة؟ !
الأعمى : إياك والغلط؟
المقعد : الم تسمع عن ذلك المرشح الذي جزأ ارض القمر؟
الأعمى : وجاءه الزبناء؟
المقعد : حتى ضاقت بهم الأرض
الأعمى : هل تمزح أم انك تداعب ابن عمه؟!
المقعد : لا هذا ولا ذاك.. ولماذا تذهب بعيدا.. نحو القمر؟ !
الأعمى : (يبحلق في المقعد باندهاش)على كل
المقعد : وذلك المرشح – أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – الذي يداوي البكم والصم اتركني بسلام حتى..
الأعمى : اعرف انك قليل الأدب.. ولكن بيني وبينك.
المقعد : ذلك المرشح الذي يشفي من العنة
الأعمى : كفى.. كفى.. هل نحن مع مرشحين أم بائعي دواء البق والبرغوث؟
المقعد : لنترك ذلك جانبا، ما قولك في مرشح الحملة السابقة؟
الأعمى : هم كثيرون.
المقعد : اقصد مرشحي ومرشحك أيضا
الأعمى : ماله؟
المقعد : مثل باقي المرشحين.. يأتيك بسحنة، ويودعك – يا لطيف – بأخرى!
الأعمى : استعراض في استعراض.
المقعد : صدقت لأول مرة تقهم سر اللعبة… انظر.
الأعمى : هل هي راقصة؟
المقعد : نعم إنها راقصة جديدة ولكن بالأضواء والألوان..
الأعمى : لم أفهم.. نحن أصدقاء.. ماذا هناك؟
المقعد : شاحنة جميلة لا شغل لها إلا الذهاب والإياب. لو رأيتها لتمنيت التهامها مثل الحلوى الطرية؟
الأعمى : الغاز؟ ما هذا الكلام؟
المقعد : الغريب أن الأزبال تزداد كلما حطت شاحنة جديدة؟ !
الأعمى : فهمت.. من حقهم أن يحافظوا على نظافة الشاحنات.
المقعد : ونظافة الطرقات؟
الأعمى : نظافة القلوب أولى.. إذا اتسخت القلوب فلن يغسلها حتى “الماء القاطع”؟ !
المقعد : ذكرتني .. الم تسمع عن ردم الحفر بعجين يقطر بالماء القاطع؟ !
الأعمى : لأول مرة اسمع بهذا الكلام الغريب؟ !
المقعد : “الله يجيبك على خير”،لماذا تردم الحفرة اليوم وتفتح فمها غدا؟
الأعمى : واضحة كالشمس. انه الغش!
المقعد : الغش ثم الغش ثم الغش!.. عجين الردمة ماؤه يذيب الحديد
الأعمى : وما الهدف من ذلك؟
المقعد : مصيبة. ولكن اعرف انك تتبالد.. الهدف ملء الفواتير.. والعمل قائم على قدم وساق!
الأعمى : إذا صدقنا بهذا الكلام.. هل القواديس مصنوعة من الزبدة؟
المقعد : القواديس لا تمرر حتى الدمعة الواحدة.. فكيف بعفنكم الذي يحتاج إلى جيش جرار
الأعمى : لا تبالغ ! القواديس من أيام “شمهروش”
المقعد :لا اعتراض.. ولكن قواديس “شمهروش” تفكك ليلا وتعوض بقواديس “الفْشُوشْ”
الأعمى : ما العمل؟
المقعد : لنجرب حظنا..
الأعمى :سئمنا السؤال
المقعد : كل من قطر به السقف يرمي لك بكلمة تظل تلوكها طوال حياتك.
الأعمى : اتفقنا إذن.. مرشح مشترك
المقعد : لنجرب إذن.
(قرفص الأعمى، وزحف المقعد، ثم تسنم ظهر الأعمى واقتعد كتفيه)
الأعمى : صوتوا على المرشح المشترك.
المقعد : مرشح العميان والمقعدين
الأعمى : وكل المضطهدين.
المقعد : مرشحان في مرشح واحد.
الأعمى :مرشح اقتصادي.. لا يكلفكم شيئا
(تداخلت أصوات المرشحين مع أصوات الباعة.. ولم تتوقف حركة السابلة، كما أن القطع النقدية ظلت تنهال على الخشبة) ستار.

المصدر:

الأنطولوجيا
شارك هذا المقال على:
الصورة التقطت في سوريا 1889 لرجل قزم ومشلول يحمله شاب أعمى
عبد الرحيم مودن – الأعمى والمقعد.. مسرحية من فصل واحد

كتب 67 مساهمة في هذه المدونة.

حول الكاتب :

إن أ.د.عبد الرحيم مؤذن، شخصية إنسانية وثقافية وإبداعية.فهو أديب وقاص وناقد مغربي وباحث خاصة في أدب الرحلات . ولد بمدينة القنيطرة المغرب سنة 1948 وتوفي بهولندا في 27 يوليو 2014م.

editأكتب له أو تتبعه على:

علق على هذا المقال :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*account_box
*email
*comment_bank
You may use these HTML tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>