هذا المقال يحتوي على: 279 كلمة.

حجم الخط

remove add

بوشعيب الساوري 12 – يناير – 2007

شعرية الاحتجاج في المجموعة القصصية “حذاء بثلاث أرجل” لعبد الرحيم مؤدن

ظل عبد الرحيم مؤدن وفيا للقصة القصيرة منذ السبعينيات من القرن الماضي، ولم يكن من الذين اتخذوها مرحلة تدريبية للمرور إلي الرواية، ولا من الذين زاوجواشعرية الاحتجاج في المجموعة القصصية “حذاء بثلاث أرجل” لعبد الرحيم مؤدن بين الرواية والقصة. لكننا نلاحظ تباعدا زمنيا بين مجموعته الأولي اللعنات الزرقاء (1976)، والمجاميع الثلاث الأخري (تلك قصة أخري (1990)، وأزهار الصمت (2002)، وحذاء بثلاث أرجل (2006))1. ونفسر ذلك بأخذ الكاتب مسافة زمنية للتأمل والمراجعة وإعادة النظر في تجربته وأسسها.

الملاحظة الأساسية التي يخرج بها قارئ المجموعة هي شذوذها عن واقع الكتابة القصصية السائدة الآن (إنتاج كمي غزير، وكثرة الأسماء، لكن الغائب هو القصة.) لتقدم لنا كتابة قصصية مسائلة ومجددة للقصة دون التفريط في ثوابتها الشكلية والمضمونية. تأكيدا منها علي ضرورة التجديد لكن ذلك التجديد الذي يجعل القصة قصة قصيرة، أي ما يسمح به جنس القصة القصيرة.تقدم مجموعة حذاء بثلاث أرجل إمكانات متعددة للتلقي والقراءة كالصوغ الحكائي وآليات السرد وبناء الجملة القصصية، والبناء المفارق والساخر والتقاط اليومي، والميتانص وغيرها. كل ذلك يؤكد علي الإمكانات القرائية الكثيرة التي تتيحها المجموعة وهذا قلما يتوفر في مجاميعنا القصصية. وقراءتنا هذه واحدة من تلك الإمكانات التي تتيحها المجموعة. وقد لفت انتباهنا الحضور التيمي القوي للاحتجاج الذي أضحي بنية تيمية مهيمنة علي جل قصص المجموعة، وقد توسل بمجموعة من الآليات؛ أهمها الفانطاستيك الذي كان رهانا من رهانات الكتابة القصصية في المجموعة وسمة مميزة لأغلب نصوصها. إضافة إلي الاشتغال المتميز علي اللغة بكل إمكاناتها ومكوناتها إذ نسجل حضورا قويا للغة في كل تجلياتها والتي تتدرج من اليومي إلي الشعري. 1- الاحتجاجيعد عبد الرحيم مؤدن من القصاصين القلائل الذين يصدرون مجاميع قصصية تنتظم حول تيمة واحدة ناظمة؛ تجلي ذلك، خصوصا، في هيمنة تيمة الصمت علي مجموعته أزهار الصمت2 والذي كان خيارا احتجاجيا. ونسجل حضور هذه الخاصية كذلك في مجموعته الجديدة حذاء بثلاث أرجل التي تأتلف قصصها حول بنية مهيمنة ناظمة لها وهي الاحتجاج الذي يتغذي علي أسلوب الاستفهام في كثير من الأحيان، وعلي الرفض حينا وعلي التظاهر حينا آخر. وبذلك ينتقل بنا عبد الرحيم مؤدن في مجموعته الجديدة من الاحتجاج الصامت إلي الاحتجاج الناطق والفعلي. يتمظهر الاحتجاج في القصة الأولي التي يفتتح بها المجموعة”قصة قصيرة” عبر الاستفهام علي سؤال لازمة وهو:”لماذا أنا قصيرة؟”(8) تحتج القصة القصيرة، في إطار الوظيفة الميتانصية التي تطلع بها قصص المجموعة، علي تسميتها بالقصيرة. والرفض في القصة الثانية”كاتب عمومي” إذ تحتج الآلة الكاتبة وتمتنع عن الكتابة:”أرفض أن أزيد حرفا.. هذا كثير.. كثير جدا..”(17) وعبر الدموع في قصة واحد اثنان:”للطفل دمعتان.”(56) وفي أحيان أخري يرتقي إلي مستوي الفعل، كما هي الحال في قصة الأوطوروت يتجلي الاحتجاج عبر التظاهر:”واختلط الحابل بالنابل ووجدتني أردد مع المرددين[…] طوط.. طوط.. وفلوس اللبن ما يبقاش يديهم زعطوط.”(58).2- الفانطاستيكتتوسل مجموعة حذاء بثلاث أرجل بمظاهر الفانطاستيك، من خلال توظيف عبارات ومفردات ومقاطع تنشدُّ إلي الغرابة انطلاقا من القصة الأولي. ويتعالق هذا المنحي الفانطاستيكي مع الواقع والمتخيل للتعبير عن تلك المفارقات والتوترات القائمة أساسا في هذا الواقع، إضافة الي تلوين الأحداث بالغموض، الذي يضفي التباسا علي النص، بطريقة مختزلة ومكثفة للتفاصيل. مما فتح دلالات القصص علي التعدد الرؤيوي والدلالي وعلي عدة احتمالات تأويلية. فهناك منحي فانطاستيكي في تناول القضايا اليومية، وهو نوع من الاحتجاج بل آلية من آلياته(الاحتجاج). ويتأسس الفانطاستيكي، انطلاقا من مفارقات اليومي، فيستجلي القاص إمكانات خارج حدود المعقول في المجموعة. بجعل الشخصيات القصصية إما أشياء الحذاء، (في قصة “حذاء بثلاث أرجل”) أو حيوانات وحشرات (في قصة “حمير جدة” وقصة “فراشات سوداء وبيضاء”) والآلة الكاتبة (في قصة “كاتب عمومي”). والقصة القصيرة، التي تطرح أسئلة حول ذاتها(في قصة”قصة قصيرة):”لماذا أنا قصيرة؟”. ليجعل القصة تضطلع بوظيفة ميتا نصية. ومن أهم تجليات الفانطاستيكي في المجموعة: -التداخل بين الواقعي والمتخيل و الممكن والمحتمل، مثلا في قصة “حمير جدة” بين الحمير والجدة إذ يصل التداخل حد التماهي. ينتهي بإضفاء طابع غرائبي علي أفعال الحمِيَّر:”ولكن لماذا كان حميَّر جدتي يصل، طال الزمن أم قصر، ولا تصل الطائرات والصواريخ؟! ذلك هو السؤال!”(ص.33.) مما يجعل السرد محاولة لفهم بأي حمير يتعلق الأمر هل هو الحشرة المعروفة أم الجدة أم كائن وهمي؟ وتداخل الرجل والحذاء في قصة “حذاء بثلاث أرجل”. – الغرائبية: يضفي السرد علي الأحداث العادية واليومية طابعا غرائبيا تهويليا. يقول مثلا في قصة “رغبات المستمعين”:”ولم يكد المقرئ ينهي آخر آية من سورة البقرة حتي اهتز الدرع النحاسي بصرصعة رضيع يتلوي من الألم، لم تلبث أن تحولت إلي ضحكة رائقة تخللتها رضعات سريعة من حلمة منفلتة بين لعاب الشفتين وحركة يدين سايرت إيقاع أغنية راقصة لمنظمة دولية ترعي الطفولة والأطفال!” (ص.39.) وكذلك بإضفاء مواصفات غريبة علي الحذاء في قصة “حذاء بثلاث أرجل”يقول:”منذ أربعين عاما والحذاء يلازمني كالظل[…] والحذاء يلمع وذرات الغبار لم تأخذ منه حقا ولا باطلا.. حذاء غريب يجمع بين الغبار واللمعان.”(ص.36.)3- اللغةلا يختلف تعامل عبد الرحيم مؤدن مع اللغة عن عمله السابق أزهار الصمت، فيستمر علي نفس المنوال. إذ تتوسل اللغة القصصية في مجموعة حذاء بثلاثة أرجل، بمجموعة من المقومات كالانفتاح علي اللغة المحلية المغربية بكل حمولاتها الدلالية، واستغلال وتفجير المخزون الثقافي الشعبي من خلال الأمثال الشعبية المغربية. والتفاعل النصي مع اللغة القرآنية، الذي يجعل لغة المجموعة تجنح إلي مستوي اللغة الشعرية. 3-1- الانفتاح علي اللغة العامية، في ذلك يحقق القاص انسجاما بين مسعاه إلي التقاط اليومي في قالب قصصي، دون إغفاله السياق الذي نبع فيه اليومي فتكون اللغة العامية في عباراتها الدالة هي الأقدر علي التبليغ والتوصيل، وذلك بانتقاء القاص مجموعة من العبارات المتداولة في اللغة العامية والتي تتمتع بشحنات دلالية قوية، فيحولها إلي لغة وسطي دون أن يقطع الصلة مع بنيتها التركيبية الأصلية، لكنه يمنحها دلالة أكبر. يقول:”وسمعت بأذني هاتين، وسيلتهممها الدود والتراب.”(58) ونلمسه هذا النوع من التعامل مع اللغة كذلك في تجارب قصصية سابقة، وخصوصا عند محمد غرناط، في مجموعتيه الصابة والجراد وداء الذئب. 3-2- التفاعل مع اللغة القرآنية، وذلك بمحاكاتها:”وفي اليوم المذكور انقلب أعاليها أسافلها، وكأنه نفخ في الصور، واضطربت الصدور بزلزال ذلك اليوم العظيم…”(59) وفي أحيان أخري يتم إيراد عبارات من القرآن.”واسودت وجوه وابيضت وجوه!!!”( ص.58.) مما منح القصص إيقاعا يتأسس علي السجع الذي قرب لغة المجموعة من اللغة الشعرية. 3-3- المنحي الشعري للغة، في كثير من الأحيان ما يتعالي مستوي اللغة القصصية في هذه المجموعة ليعانق الشعر، بل تغدو لغة شعرية محضة، حيث يبلغ التكثيق الشعري ذروته، كما هي الحال في قصة “واحد اثنان.” يقول:”للمعلمة رجلان: واحدة للوقوف، والأخري مطوية عند الركبتين. غيرت المعلمة وضع الرجلين. فأصبح للمعلمة حذاءان. للطفل دمعتان.”(56) تبرز هذه القصة تمكن الكاتب من صنعته القصصية، وقدرته علي تسخير اللغة وتطويعها عبر التكثيف وكذا الاشتغال علي الجملة القصصية. تركيب تبرز قصص مجموعة حذاء بثلاث أرجل توافق وتواشج البنيات التيمية والخطابية، الذي يمنح القصص انسجاما دلاليا وخطابيا، ويسوغ لها حق الانضواء تحت مجموعة واحدة. هذا وإن دل علي شيء، فإنما يدل علي تمكن صاحبها من صنعته القصصية وإخلاصه لطريقته في الكتابة القصصية والتي تستند إلي رؤيا إبداعية واضحة المعالم، وهذا قلما يتوفر لقصاصينا.

1- عبد الرحيم مؤدن، “حذاء بثلاث أرجل”، منشورات سعد الورزازي، الرباط، 2005

2- عبد الرحيم مؤدن، أزهار الصمت، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2002.

* ألقيت هذه الورقة ضمن اللقاء الذي نظمته الجمعية البيضاوية للكتبيين مع الكاتب وذلك يوم الجمعة 22 دجنبر 2006 بمكتبة الفكر العربي بالدار البيضاء.

المصدر:

القدس العربي
شارك هذا المقال على:
حذاء بثلاث أرجل
شعرية الاحتجاج في المجموعة القصصية “حذاء بثلاث أرجل”

كتب 3 مساهمة في هذه المدونة.

حول الكاتب :

بوشعيب الساوري من مواليد سنة 1973 بجماعة امطل إقليم سيدي بنور يقيم بالدار البيضاء حاصل على: 2005: الدكتوراه في الآداب، في اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب الرباط في موضوع الرحلة والنسق بحث في تشكل النص الرحلي رحلة ابن فضلان نموذجا 2000: الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب الرباط في موضوع جينيالوجيا السلطة لدى ميشال فوكو 1999: دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الأدب العربي، وحدة السرد العربي، كلية الآداب الرباط 1997: الإجازة في الأدب العربي، كلية الآداب عين الشق، الدار البيضاء

علق على هذا المقال :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*account_box
*email
*comment_bank
You may use these HTML tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>