عبد الرحيم مؤذن
نشر في طنجة الأدبية يوم 15 – 09 – 2012
… وكأنك لم تغادرنا إلا البارحة!! تحدثنا عن الشعر والشعراء، وقلت، ساهما نحو الأفق، ” الشاعر يركب جوادين: أحدهما للفيلسوف، والثاني للرسام..وبعد صمت قصير: “ولذلك ، كان الشعراء أقرب إلى الأنبياء.”.و بعد برهه:” بينهما شعره لا يراها إلا الأصفياء”.
– لن تكون شعرة معاوية في كل الأحوال!!
ابتسمت، واستوى جذعك فوق كرسيك الأثير، وأرجعت رأسك إلى الوراء.. بدأت في نشر أوراقي، وأنا أردد بصوت خفيض:” خيمه أبي سفيان لم يغادرها الطلقاء وأتباع بني قريضه وبني قينقاع وفيالق الشبيحه… والحجاج في المدخل، يشير إلى أشلاء صومعه، وزياد، في المخرج، يحمل قصعه من رؤوس آدميه فائره بدم طازج..”
– المبدع الفاشل هو الشارح لنصه ، قبل أن يتلقاه المتلقي. متى استعبدتم القراء ، وقد ولدتهم أمهاتهم بآذان وأذهان.اا.. اقرأ..وابتسمت ابتسامتك الشهيرة التي تفتح الأبواب ، دون أن يغادرها البواب.
أفردت ، من جديد أوراقي، وقرأت:
1- (…لا حاجة للسؤال الآن عما حدث لوجوه الخنازير. وراحت الحيوانات في الخارج تنقل بنظرها من خنزير لإنسان، ومن إنسان لخنزير، ثم من خنزير لإنسان، لكن بدا من المستحيل الآن تمييز الواحد من الآخر). جورج أورويل: مزرعة الحيوانات.
2-( حدثنا أ حد الناجين من المحرقة الأخيرة، قال: رأيت في غوطه دمشق، قردا مدربا يجتمع الناس عليه فيقول له القراد:
تشتهي أن تكون بزازا؟
فيومئ القرد برأسه:نعم.
تشتهي أن تكون عطارا؟
القرد، نعم.
تشتهي أن تكون…
ويعدد مجموعه من الصنائع والقرد يومئ بالموافقة.
ثم يسأله القراد:
تشتهي أن تكون أسدا؟
فيومئ القرد برأسه: لا! ويردف ذلك بالصياح والركض محاولا الهرب..)
التنوخي* ( نشوار المحاضرة) .بتصرف.وكل تشابه بين الزمان والمكان والإنسان والحيوان هو مجرد صدفة.
3-باب ما جاء في الأسد:
قال الميداني- رحمه الله-: إذا قال القائل: أسد علي- بفتح الياء وتشديدها- فذلك ليس بأسد ، بل هو نعامة…فسرى ذلك مسرى المثل ، فقيل للسامع:” أسد علي- برفع الياء وتشديدها- وفي الغابة نعامة. وضرب به المثل للجبان والرعديد والشبيه بالرجال، والشديد على الأهل، والرؤوف بالعدو، والشجاع داخل بيته، والخائر أمام عتبته…).
4- في المعجم: .. ومن أسماء الأسد : الرِّئْبَالُ. وهو المترصد بالشر، وذلك لا يكون إلا في اللصوص وقطاع الطرق ، ولو لبسوا البذل الغالية، ووضعوا ربطات العنق المستوردة بالعملة الصعبة، والمحروسة، عند وصولها إلى مشارف الحدود، بفرق من الجيش والأمن والمخابرات بعد أن أصبحت من أسرار الدولة، بعيدا عن عبث العابثين؟
وفي المعجم أيضا: الغضنفر. وهو الغليظ الجثة. وقد يكون غليظ العنق، وذلك دليل على أن صاحبه مبطون، أى أسير البطنه التي تذهب الفطنة.وقد يكون غليظ الرأس، وتلك علامة على العناد والمزايدة والمشاكسة والمناقرة.. وقد يكون غليظا لطبع، فظا ينفض من حوله الناس، ويتنكبه البشر والحجر، وهو غافل عن كل ذلك ، إلى أن يحدث المحذور… والله أعلم.
5- قال الميداني: … والمقصود ليس الأسد أوالضبع.ا فالأسد الذي صدعتم به رؤوسنا، هوفي الأصل ذئب.ا ولذلك قالت العرب:” الذئب إذا خلا من أعوان جنسه كان أسدا لأنه يتكل على ما في نفسه وطبعه من الصرامة والقوة فيثب وثبة لا بقيا معها….. ومنه حديث معاذ رضي الله تعالى عنه :عليكم بالجماعة فإن الذئب إنما يصيب من الغنم الشاذة القاصية. قال أبو عبيد، فصار هذا المثل في أمر الدين والدنيا يضرب لكل متوحد برأيه أوبدينه أوبسفره”. وفي طبعة أخرى: أو ببلده وشعبه!. ولذلك قيل في المثل: الذئب خاليا أسد. مجمع الأمثال.
6- .. وهذا ما حصل بهذه البلاد منذ ثلاثة عقود وزيادة… وآخرها ما حدث منذ شهور قليلة، إذ انفرد الذئب المستأسد بطفل صغير فعل ما يفعله الأطفال، بعد أن تبلل سرواله، ونهشه نهشا، وأتبعه بأهله وبكل من مر بذلك المكان مسحا لكل شاهد.. وتابع طريقه وكأن شيئا لم يكن.
7- ” من الرجل الذي قال: إن الثورة يصنعها الدهاة ، وينفذها الشجعان، ويستغلها الجبناء)؟
8- هذه الأرض أرض الأنبياء…أقرب البلاد إلى السماء، وقبل أن يخرج ” الكلم الأول قبل أن يشهر يوسف العظمة” سيفه من بطن جبل “قاسيون”، قبل أن تسقط نقطه الدم الأولى على ذرة الجرانيت الشفافة… قبل أن يرتد طرفك… ترددت في كل الكهوف ، وعبر التلال، ، ودبيب نسغ الحياه في الأ رحام لائحه الشهداء التي رددتها الريح، وغرغره النهر، وحفيف الرمل.. هذه أرض الشهداء، أرض الأنبياء.
9- “يا وطني لم نبدأ لنلق هذه الخاتمة السوداء” .
ممدوح عدوان
10- كتاب مدرسي ، عند مدخل مدرسه لم يبق منها إلا الذكرى.. كان الكتاب مفتوحا على صوره ” غوطه دمشق” الشهيرة. إحدى زواياه ما زال يتصاعد منها دخان نار لم تنطفئ بعد.كيف حدث ما حدث؟ .أطفأت مياه النهر النار، ولم يتوقف نباح كلاب النواطير لحظه واحده، وانبعث من الزاوية اليمني من الصورة وصوصه فرخ طائر حديث الولادة، وانبعث عطر ظهر خفيف جاهد رائحه الدخان الخانقة، وظلت ملابس طفل صغير زائر للغوطه ناصعه البياض.
11_ لفم الأسد رائحه كريهة.
مثل شعبي متداول.
12- ” زعموا أن أسدا أتى أجمة ، بعد أن سمع صوتا صاخبا، فاقترب من مصدره ، فوجد طبلا معلقا، فاقترب منه ممنيا النفس بكثرة الشحم واللحم، فعالجه بضربه عنيفة، فشقه ، فلم يجد إلا الخواء. فقال: لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا، وأعظمها جثه. .
كليلة ودمنة( بتصرف).
13- حميد
أخي في البلاء الكبير
تقد كان مثلي كسيحا
يدب بكرسيه مستريحا
قالوا: لقد عاش
لقد مات
ينام ورجلاه مطويتان
شهودا على الداء في قبره
حتى إذا رأى الله رأي العيان
بكى له من رحمه واعتذار.
بدر شاكر السياب
14 – إنهم يقتلون القتل…
لكن… هذه البلاد تحيي الميت، وتبصر الأعمى، وتسمع الأصم، وتمشّي الكسيح، وتنطق الأبكم.
*القاضي أبي على المحسن التنوخي: نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة