خلقت الأزمة الحكومية، في طبعتها الأخيرة، التباسات انسحبت على الخلط بين الإنتماء الحزبي والإنتماء الوطني، بين المحلي والجهوي، بين البرنامج الحكومي العام ، والقطاعي المتعلق بمكونات الحكومة، بين التنموي بالمعنى الإستراتيجي، والممارسات الإنتخابوية التكتيكية. والخاسر الأكبر هو الوطن بكل دلالاته!
مثال صغير نشرته إحدى الصحف الأسبوعية على الشكل التالي: تعثر أشغال إنجاز ميناء كذا… بسبب غياب الكاتب(ة) العام(ة) الذي(التي) كان من المقرر أن يشرف(تشرف) على توقيع الإتفاقية المقررة بين وزارة…والشركة الفرنسية… الخ. وبالرغم من محاولات الإتصال العديدة، فإن هاتف المسؤول(ة) ظل باردا كالثلج، بل قيل إن هذا الأخير(ة) قد غادر (ت) الوزارة بعد أن مسح (ت) المكتب مسحا، منفذا(ة) قرار انسحاب الحزب من الأغلبية الحكومية!!
ما تبين، من خلال الكواليس، أن الغياب كان تغيبا، وان المانع لم يكن خيرا، والأمر في نهاية المطاف يتعلق بانسحاب مكون من مكونات الحكومة. لا أحتاج إلى التذكير بأن إحداث مشروع ما ينتج عن حاجة ملحة، وضرورة حيوية لا تنازل عنها. والميناء المشار إليه، أعلاه، يمثل مسألة حياة، أو موت، لهذا المكان الذي ولد، في زمن ما بميلاد ميناء أقفلت أبوابه، أخيرا، فمات بموت الميناء.
طيب، الإنسحاب، أو عدم الانسحاب، أساليب متداولة في حكومات الدنيا، لكن غير المتداول هو ضرورة التمييز بين المواثيق والعهود المعقودة باسم الحكومة، وبين الفعل الحزبي المحض المرتبط بالصراع الإديولوجي، والسياسي، في فضاءات أخرى بعيدا عن الفضاء الحكومي. وفي البرلمان والمؤسسات الموازية متسع لذلك، فضلا عن المعترك الإديولوجي المميز، أي الشارع الذي أصبح كابوس الأحزاب، بعد أن تمترست خلف المقرات والتنظيمات التابعة لها.
ومن ثم ، فالممارسة الحكومية مشروطة بميثاق حد أدنى ولّف بين مكوناتها التي تختلف في مرجعياتها، لكنها تظل خاضعة للبرنامج المسطر من قبل هذه المكونات الحكومية.
ومن المؤكد أن ( حالة الاحتباس) هاته، قد امتدت إلى قطاعات عديدة، ودواليب وزارية مختلفة، ومصالح حكومية متعددة. فالصحف اليومية تطالعنا بتوقف الأشغال في مشروع ما، بعد أن جمع الكاتب العام أوراقه بسبب الإنسحاب ذاته، والعديد من المقاولات تفتقد السيولة بعد أن غادر الأمر بالصرف المكان تنفيذا للقرار ذاته، ورئيس الديوان حائر بين رئيسين: رئيس الحزب ورئيس الحكومة، والوثائق المطلوب توقيعها وصلت إلى السقف.!
الخاسر، إذن، هو الوطن الذي يتسع صدره للمختلف لونا ووضعا اجتماعيا وانتماء حزبيا، أو إديولوجيا..الخ.
لا مزايدة على الوطن. فالعدو عند استهدافه للوطن لا يفرق بين المنتمين دينيا وسياسيا، بين البيض والسود، بين المرأة والرجل ، المريض والسليم، ما عدا الذي فضل الإنتساب إلى دائرة المعتدي.
عبدالرحيم مؤذن