قصة قصيرة
عبد لرحيم مؤدن
لوحت بحركة واهنة لسيارات الأجرة المارقة. ظلت يدها المعروقة مرفوعة إلى الأعلى، و السيارات تذرع الطريق بدون ملل. عجوز قاربت العقد السادس ..ملاءة تنتمي إلى زمن مضى، تمثال لامرأة وديعة مألوفة دون سابق معرفة. اليد مرفوعة إلى أعلى، و الشفتان تتمتمان بكلمات غير مسموعة، و السيارات في مد و جزر …
نزلت من الرصيف … التفتت إلى الوراء، و تأكدت من ملامسة قدميها للرصيف الحجري الملون بالأحمر و الأبيض، و لوحت، من جديد، بحركتها الواهنة…بدا الخنصر نافرا مثل غصن مهمل و الخاتم الفضي مازال يلمع بآثار جمال ذاهب.
توقفت سيارات الأجرة فجأة، و نزل منها رجل أنيق و تبعته امرأة بلباس سهرة تراقصت ألوانه تحت أشعة الشمس، و العجوز ما زالت ترفع يدها المعروقة.انصفق الباب الأول، ثم انصفق الباب الثاني، و انطلقت السيارة من جديد.
تتابعت السيارات و رؤوس السائقين تلتفت جهة المرأة، و تعود مسرعة إلى وضعها الأول… و ارتفعت سبابة أحدهم إلى صدغه، و اكتفى آخر بالالتفات نحو الكرسي المجاور و ابتسم و مرقت سيارات أخرى اهتزت أكتاف أصحابها دون مبالاة، و لم تتردد أكف من صفع الهواء بعنف… و العجوز لا تمل من رفع اليد المعروقة، و التمتمة غير المسموعة…
فرملت سيارة أمام الرصيف، و نزل السائق، على عجل، و انحنى أمام المحرك، ثم عاد إلى سيارته، و قبل أن يمسك بمقود السيارة ألقى نظرة سريعة على العجوز، و ابتسم و تابع سيره… رفعت العجوز بصرها إلى أعلى، و أصلحت من وضع الملاءة بيدها اليسرى، و أنزلت يدها المعروقة … تراجعت قليلا إلى الوراء، و الشارع يتبادل مرور السيارات في الاتجاهين… و كانت أصابع كثيرة، في هذه الآونة تشير إلى العجوز من وراء
الزجاج، و صوب سائق سبابته إلى الأمام، و أطلق النار على الطريق، و
بصره لا يفارق العجوز. تباطأت سيارة أخرى أمام الرصيف الملون، و ارتفع
صوت بوقها مخنوقا منقطعا، و العجوز ساهمة في نهاية الطريق البعيد.
حركت العجوز قدميها، و حركت شفتيها، و أخذت تدب، بهدوء، دون أن
تتوقف حركة السيارات في الاتجاهين.