حلت يوم الأربعاء 27 يوليوز الجاري الذكرى الثانية لوفاة الكاتب والباحث المغربي عبد الرحيم مودن. وهذا مبدع واستاذ شاء القدر أن أرافقه ويرافقني في هذه الحياة، منذ الصبا فالشباب والكهولة ثم الشيخوخة إلى أن لبى نداء ربه في هولندا إثر مرض لم يمهله طويلا، وبالتالي فحديثي عن عبد الرحيم يتطلب كتابا، بل كتبا تصور مسيرة حياة مليئة بالأحداث والمفارقات والافراح في فترة من تاريخ بلدنا اتسمت بالاضطهاد والظلم والاختطافات والتهميش واستغلال النفوذ… إلى آخره. وهي الفترة التي اصطلح على تسميتها ب (سنوات الرصاص) وهي تسمية لا تفي بالغرض لأنها مستنسخة من التعبير الفرنسي، بينما أطلق عليها أنا تسمية مغربية محضة. وكان أن نلت كما نال عبد الرحيم حقنا من شرارات النار المحرقة، فقط لأننا نحمل أفكارا مستوردة (حسب المحققين) في مخافر الشرطة ونكتب قصصا (تميل نحو اليسار وتحرض على الثورة وتدين الاعتقال السياسي).
وحين طبعنا مجموعتنا القصصية الأولي مشتركة بغلاف لوحة للتشكيلي عزيز سيد العائد آنذاك من بولونيا (كملات الباهية). ولم تسلمنا وزارة الأنباء رخصة التوزيع إلا بشق الأنفس (كما اعتاد الواصف الرياضي المرحوم أحمد الغربي أن يقول). لم نطبع عملنا بسهولة. عانينا الأمرين ماديا ومعنويا وجسديا. وكان الشاعر محمد بنيس يوجهنا في مجال لم نكن نفقه فيه شيئا. هكذا سيكتب لنا أن نسهم في بناء نهضه أدبية مغربية مشرفة إلى جانب أهم الاسماء المغربية التي يرجع لها الفضل الأكبر في التعريف بالأدب المغربي وإحلاله مكانة مرموقة بين صنوه المشرقي. واتمنى أن يسعفني الغمر والصحة لأقدم شهادات في حق هذا الجيل الذي رسخ لفن رفيع كان يملأ الحركة الإبداعية متعة كبيرة. كان عبد الرحيم يكرر دائما (نحن جيل السبعينيات، جيل الهزائم على المستوى الوطني والقومي، والعلامات بارزة على الطريق). اشتغل عبد الرحيم بالبحث العلمي، فاهتم بالإبداع ثم الصعب الممتع. لم يكتب عبد الرحيم من فراغ بل كان قرؤوا منذ الصغر، كنا نتبادل الكتب والمجلات ونتردد على المكتبات فى نهم كان ميزة جيلنا. كذلك كان يحب السينما وهو أصلا كان يسكن قرب سينما الرياض. وقبل موته بأيام قليلة وقبل عودته لهولندا لإتمام العلاج جلست وإياه في مقهى أمام السينما بعد هدمها. كان حزينا جدا ينظر إلى حطام بنيانها بأسف، لأنها شكلت جزءا كبيرا من ذهنية عبد الرحيم وذوقه الغني وقناعاته الإيديولوجية. كان عبد الرحيم صاحب نكتة (وهذا ما يجهله عنه الكثيرون) كما كان كالحطيئة في تصوير من لا يرى خيرا في الاقتراب منهم. شاركت عبد الرحيم في قراءات وندوات لا حصر لها داخل المغرب. وخارجه، وكنت آخر من مكث معه في البيت في انتظار موعد أخذه إلى المطار ني رحلته إلى هولندا. كما انني تلقيت منه مكالمة هاتفية, وهو في مشفاه البعيد، وصلني قيها صوته عبر السماعة فظننت انه يبشرني بعودته التي كنت اترقبها, لكنه كان في حقيقة الأمر يودعني الوداع الأخير.