عبد الرحيم مودن
نشر في العلم يوم 21 – 10 – 2008
صورة الشّاحنة المجنونة، وهي تخترقُ سُور المقبرة، أشْبه بدبّابة تدُكُّ كلَّ ما صادفَها في طريقها من إنسان وحيوان ونبات وجماد!!
إنها حرْبُ الطّرق التي لم تعد مقْصورةً على الطرق العادية، مُسفلتَة أو غير مسفلتة، بل امتدّت إلى فضاءات لا علاقة لها بالطّريق مثل المقْبرة السّالفة الذّكْر، والأرصفة المخصّصة للرّاجلين، والحدائق أو ما تبقّى منْها، والمؤسسات العمومية من مدارس ومصالح مختلفة كما تعْكس ذلك الصّحف السّيارة.
ولم يعد الكائن الإنساني آمناً، فضْلاً عن ذرّيته ومصالحه، على نفسهِ ، بلْ امتدّت الحوادث، وشرُّ البلية ما يُضحك، إلى بيتِه الذي لاملجأ له غيْره!! ففي الوقْت الذي يكونُ فيه المواطن مرابطاً ببيْتِه، لسبب أو لآخر، ينْهارُ السّقْف على من فيه، ويُصبحُ المواطن، وأمرته، عرضةِ للتّشرُّد وطرق الأبواب لرفْع الضّرر وما أدراك ما رفع الضّرر في سياق قنوات الرّوتين والفساد الإداري وفسادِ الذّمَم إلخ.
الحوادثُ، خاصةً حوادث السّير، المتصاعدة ببلادنا، أصبحت تتطلّب حواراً وطنياً تشارك فيه كافة الأطراف والمصالح، فضلاً عن المؤسسات المختلفة بحُكم ارْتباط القضيّة بجوانب عديدة دونَ اقتصارها على وزارة النّقل. فحوادث السّير المتصاعدة ترتبطٌ بالجانب التربوي، والأسري خاصّة، بعد أن أصبح اليافعون والقاصرون، يسوقون السّيارات الفارهة في أوضاع قانونية أو غير قانونية، وارْتبطت هذه القضيّة، أيضاً، بأثْرياء النّعمة الجدد، وسيُولة المالِ السّائب بين الأيْدي المتهافتة على اقتناصِ الفرَصِ بكُل السّبُل . ولا نحتاجٌ إلى التذْكير بالإكراهات الْيومية الأخرى التي ينوءُ بها كاهل المواطن في خضمِّ هذه الحرب المستعرّة التي «تفوَّقْنَا» ويالَهُ من تفوِّق!! فيها على الدول المتقدمة مثل فرنسا» خاصة !!
رمن المؤكّد أن التّرسانة القانونية، وأساليب الرّدْعِ المختلفة تحتاجُ إلى تفعيل حقيقي من جهة، وإلى إعادة النّظر من جهة ثانية» بشَكْل شمولي بعيداً عن الحُلولِ التقنية المحْضة.
لَا غرابَةَ، إذن، في أن تمتدَّ حوادِثُ السّيْرِ إلى الأمْوات، بعد أن تصاعَد إفْناءُ الأحياءِ بشَكْل متواتِر مسْتكْمِلَة ما نادى به «مالْتوس»..
ومن يدْري، فمحاربَةُ الإنْفجار الديموغرافي يقْتضِي الكثير من الوسائل الجهنمية ومنها حرْب الطّرق المستعرّة.