أعتقد أن العالم اليوم- خاصة العالم العربي- هو في أمس الحاجة إلى الأدب أكثر من أي وقت مضى بالرغم من الملابسات المرعبة و المحبطة للممارسة الأدبية ، والتي قد توحي بعبثية الأدب وعدم فعاليته، أو جدواه، ومن أهم هذه الملابسات ما أفرزته العولمة – وهي التحدي الأكبر للأدب- من مد جارف أتي على الأخضر واليابس، وعبدته الطرق السيارة، والشبكات العنكبوتية، ووسائل التواصل و اللاتواصل أيضا التي اخترقت الدول والشعوب والأفراد والأسماء والكيانات المادية والرمزية، والتواريخ العامة والخاصة… وأجهزت على الجوانب الحميمية للإنسان، وأصبح الكائن الإنساني يعيش حصارا جهنميا في الكلام والعلاقات الحميمية، والوظائف الجسدية…
هذا هو رهان الأدب المتجدد. رهان تأصيل الهوية الإنسانية في زمن العولمة الذي سوى بين الكائن الإنساني والعازل الطبي، بين القيم و التشييء اليومي…
وتقتضي هذه المفارقة المبكية والمضحكة، في آن واحد، مقاربة أدبية، أو مقاربات أدبية، تقوم عـلـى السخرية السوداء، والصراع الدرامي، والعمق التاريخي ، ورسم الوضع الإنساني الدال…
في قصة لا أذكر عنوانها ولا أذكر كاتبها، علما أنها تنتسب إلى هذا الزمن، زمن العولمة، يماثل القاص بين كيس الأوراق النقدية وبين سلة بيض!! وفي قصة أخرى يعتقل مواطن بسيط بعد أن ضبط متلبسا بتحويل يافطة انتخابية إلى سروال داخلي!! وفي قصة ل”يوسف إدريس” يتيه حمال عن صاحب كرسي منقوش بنقوش فرعونية عن صاحبه في محطة القطار. والدلالة واضحة، أي الاستبداد الذي يحمله الحمال على كاهله منذ عهود سحيقة.
المفارقة السابقة قد تكون مفارقة عربية بامتياز!! ذلك أن العولمة، عربيا، والتي تعكس أعلى مراحل التقدم المدمر، تعايش في الوقت ذاته أدنى مراحل التهميش الإنساني بحكم افتقاد المكان للحد الأدنى من الآدمية من ماء وكهرباء وتطبيب وتعليم …
الأدب، في جوهره، بذرة لا تنمو في لمح البصر، بل إنها انعكاس لتفاعلات مرئية وغير مرئية تتحكم في مختلف الظواهر البارزة . وأهمية الأدب تكمن في اشتغاله على الموازي المختفي وراء الظاهرة، وعلى الصامت المغطى بالصاخب … فوراء كل ذلك توجد عوالم مختلفة، وحيوات غنية، ومواقف إنسانية للفرد والجماعة…
ومن ثم يظل الأدب حصنا للمقاومة الدائمة، وترتفع أسوار المواجهة بأدوات الأدب الرمزية التي قد لا تشكل شيئا أمام الزحف العولمي المتصاعد، ولكنه في الوقت ذاته يمنح إمكانية انتزاع فضاء للحرية ولو كان في حجم حبة عدس!!
سيستمر الأدب مادام الإنسان موجودا، ولن يغيب عن هذا الوجود إلا في حالة واحدة، هي التي يتعايش فيها- مع الاعتذار للطيب صالح- التمساح مع السمكة، والذئب مع الحمل، والبارد مع النار، والأفعى مع الإنسان… استحالة ذلك هو ما نقصده بالأدب، بضرورة الأدب الآن وغدا.
عبد الرحيم مؤذن
مع الشكر سلفا.