الأحبة والعظماء يرحلون قبل الأوان، تلك فاجعة نزلت علي منذ مدة مع فقدان صديق حميم وأخ كريم وزميل فاضل جمعتني معه أيام جميلة سواء في منتديات ثقافية أو أو في خرجات ميدانية لمواقع تاموسيدا والمهددة وبناصا، أو في جلسات قراءة الجرائد وتبادل الحديث غرة كل صباح بإحدى المقاهي قرب بنك المغرب (الكنسية القديمة) بمدينة القنيطرة العزيزة (حلالة أو بور ليوطي سابقا): إنه الفقيد د. عبد الرحيم مؤدن تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته والذي ودعته الساحة الثقافية المغربية الأحد 27 يوليو 2014 بهولندا حيث كان يخضع للعلاج من مرض عضال ألم به ولم يمهله كثيرا.
وعبد الرحيم مؤذن كان من بين الوجوه الحاضرة بقوة في الساحة الثقافية سواء من خلال كتاباته المتعددة بين الإبداع والبحث الأكاديمي أو من خلال حضوره البارز باعتباره عضوا نشطا في مجموعة من المنظمات والجمعيات ذات البعد الثقافي، فضلا عن كونه أستاذا جامعيا سابقا بكلية الآداب-ابن طفيل بالقنيطرة، أطر أجيالا من الطلاب، وأشرف على كثير من البحوث العلمية، خاصة في مجالي السرديات وأدب الرحلة.
ولد عبد الرحيم المؤذن سنة 1948 بمدينة القنيطرة.
حصل على دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي سنة 1987، وعلى دكتوراه الدولة في الأدب (سنة 1996) برسالة تحت عنوان “مستويات السرد في الرحلة المغربية خلال القرن الـ19”. كان عضوا في مجموعة البحث في تاريخ البوادي المغربية بكلية آداب القنيطرة، وشغل رئيس مجموعة البحث في المعجم الأدبي والفني بالكلية نفسها، التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1976. من إصداراته: اللعنة والكلمات الزرقاء: مجموعة قصصية مشتركة، الشكل القصصي في القصة المغربية (جزءان)، البيضاء (1988)، والثاني: دار عكاظ، الرباط (1996)، وتلك قصة أخرى 1991، معجم مصطلحات القصة المغربية (1993)، قصص للأطفال والفتيان (1988)، مغامرات ابن بطوطة للفتيان (1999)، رحلة ابن بطوطة الجديدة (1999)، رحلات مغربية وعربية (2000)، أدبية الرحلة (1996)، أدب الأطفال: مغامرة ابن بطوطة للفتيان (في 9 أجزاء، 1999).
“حذاء بثلاث أرجل” قصص (2006)، أرخبيل الذاكرة، وهو عبارة عن رحلات إلى القاهرة والصين وعدد من الآفاق (2013).
عُرف الأديب الدكتور عبد الرحيم مؤذن، بكونه كان كاتبا متعدد الاهتمامات، كما عرف بطيبوبة نادرة، وبوفاء خاص للمبادئ وللقيم التي نشأ وتربى عليها، عدّته في ذلك إبداعه وأبحاثه الرصينة والمجددة، كما يشهد له بحضوره الإبداعي والنقدي والأكاديمي الوازن، وبكتاباته القصصية والمسرحية المضيئة، وبأبحاثه النقدية حول القصة والرواية والرحلة، وغيرها، علاوة على عشقه الكبير للكتابة للأطفال والفتيان، والبحث في قضايا ثقافية وتاريخية وأدبية وببليوغرافية ومعجمية استثنائية، أضحى معها الأستاذ عبد الرحيم مؤذن، رحمه الله، مرجعا أساسيا للباحثين وللطلبة، داخل المغرب وخارجه، وخاصة فيما يتعلق بأدب الرحلة.
والدكتور عبد الرحيم المؤدن، بقي، إلى جانب ذلك، حاضرا بقوة في المشهد النقدي العربي، بقراءاته النقدية في المتن الروائي العربي، في جغرافياته المتنوعة، وفي نصوصه وأسمائه الأساسية المختلفة، من المغرب والشام والمشرق العربي، من غير أن يشغله ذلك عن الاهتمام بالأسئلة الجديدة للقصة القصيرة، ومغايراتها، موازاة مع انفتاحه وإنصاته للمتغير القصصي المغربي.
وكان للفقيد أيضا اهتمام قوي بالبحث المعجمي، حيث قدم اجتهادات مفاهيمية ومصطلحية جديدة، هو الذي عرف عنه، أيضا، كونه أحد الكتاب الكبار الذين ما فتئوا ينتصرون للأفق المغربي، في كتاباته القصصية والرحلية، بشكل ساهم به مؤذن في ترسيخ الأبعاد السردية والتخييلية والجمالية والثقافية والحضارية المغربية، بجانب اجتهاداته النظرية والتحليلية التأسيسية لمقاربة النص الرحلي، في خصوصياته وفي تقاطعاته وقضاياه المتنوعة.
فضلا عن ذلك، يعتبر الكاتب الراحل واحدا من كتابنا الذين بقوا أوفياء لكتابة القصة القصيرة وكذا الكتابة للأطفال، بالمغرب، إلى أن وافته المنية، رحمه الله، في وقت يستعد فيه اتحاد كتاب المغرب لإصدار مجموعة قصصية جديدة له موجهة للأطفال، باللغتين العربية والإسبانية، كان الراحل قد مكّن منها الاتحاد قبل سفره الأخير ليلاقي ربه.
عبد الرحيم.. ودعتنا بهذه السرعة وأنتَ الذي كنتَ تولدُ مع كل نص جديد حينما تكتشفُ أن الحياة نهر ممتد في الروح والمآثر.. وأنتَ قد تركتَ أنهرا تجري وتسقي القراء مما تركته خالدا وحاضرا… ألَمْ تكن سبّاقا في التأسيس للدرس الرّحلي ومجددا في السرد القصصي للكبار والصغار وفي النقد القصصي الجدري والعميق .. أوَ لمْ تكن مناضلا ثقافيا تجوب البلاد طولا وعرضا لاستكمال رسالتك، أستاذا جامعيا باحثا وأديبا مثقفا وفاعلا جمْعيا يضحي بوقته وراحته وصحته وماله من أجل أفكار جميلة نؤمن بها جميعا؟
نعرف أنك رحلتَ ولم ترحل، لأن مشاريع أخرى كنت تفكرُ فيها ولم يُمهلك الموت كي تنجزها، قلق كبير في النفس وغيرة على ثقافتنا وحياتنا التي قاومتَ في البحث لها عن معنى روحي عميق.