ونادى المنادي أن اخلوا المكان ، والذي يملك كلمة زائدة فليبخر بها نفسه… أو… حتى لا نقول ما يستحى من ذكره في هذا اليوم المبارك’’’ أعرفكم جيدا : لا ملة ولا دين، الاستدعاء الأول والثاني وكأنك تسكب الماء في الرمل… وأخيرا تريدون دورا ببلكونات وصالونات وفراندات وجراجات فوق الأرض وتحت الأرض وما بينهما لا يعلمه إلا الله… تريدون كل ذلك دون أن تحركوا أصبعكم الصغير.. العجاب اسيدي… طيب لكم ذلك وزيادة. ولكن قبل ذلك اخلوا المكان وسترون. ياعينكم التي سيأكلها الدود والتراب. كيف تنبت الأرض ذهبا تغرقون فيه إلى العنق عوض أن تظل غارقة في برازكم وبراز أبنائكم، روائحها يعافها الكلب وأبخرتها الصفراء تقصر العمر وتذهب بالبصر، المسوا الذهب بأيديكم إذا كنتم غير مصدقين.. هنا في هذا المكان.. هنا.. سينبت الفلفل الإنجليزي بجلدته السميكة التي تستعصي على السكاكين والخناجر. لا رائحة له ولا يحزنون. فلفل نقي مثل أهله، لا صوت له ولا حس سواء وضعته فوق النار أو نشرته بالمنشار. فلفل مؤدب كأصحابه. دعوني من فلفلكم الذي يفضح صاحبه بطقطقاته ودخانه.. المناحة كبيرة والميت فأر!! هنا الذهب : الفلفل الإنجليزي والخيار السويدي والطماطم الايرلندية… زد على ذلك : الطبخ البرازيلي شتاء والطبيخ الدانمركي ربيعا والعنب الفرنسي في عز يناير… أرى الدهشة على عيونكم الجائعة، لكم العذر فأنتم تنتظرون فاكهة العام وخضر الموسم وليالي الحر والقر. تأكلون نصف التفاحة وتخفون الباقي للضيف أو لمريض من مرضاكم وتوزعون القشور على نسلكم ونسل جيرانكم، وتقبلوا البذور وأنتم تحلمون بتفاحة العام المقبل. مساكين!! ما أقصر بصركم وبصيرتكم! الأمر لا يحتاج إلى نباهة، امتار’’ من البلاستيك وضلوع من الحديد ورشاشات ماء والصلاة على النبي، وبعدها اطنان التفاح والموز والعنب حتى تعافه أفواهكم الكريهة… موزة في دقيقة والتفاحة تحمر في رمشة عين وحبات العنب تتخلق وكأنك تحلم. ولكن قبل ذلك أخلوا المكان… موزة مقابل دار سفلية وتفاحة مقابل دار فوقية، وعنقود عنب للملحقات.. الجنة بعينها! انظروا خلفكم، ها نحن قد بدأنا في تنفيذ الوعد قبل أن يصلنا ردكم.. نحن نستنبت الموز والدار دفعة واحدة، ولكن قبل ذلك اتركوا هذه العشش التي يخجل من الدخول إليها دود الأرض وهوام التراب… لا يهم… انظروا هناك، انظروا جيدا… بدأنا الحفر رأفة بكم… الأساس قبل كل شيء، وقبل الأساس لابد من الحجر الأساس وهو ما ترون حفرته الآن أمام أعينكم.. حتى في اليابان لابد من الحجر الأساس، واليابانيون لم يقنعوا بأساس الأرض بل حفروا أساس السماء اما نحن فالخير كثير. تتباكون على عشش تفضحكم صيفا وشتاء حتى أن الرجل منكم أصبح يخجل من قول الحمد لله! أنا أدر ى بكم، لا أصل ولا فصل، لا من الإنس ولا من الجن، لا من الطين ولا من النار، لا من الماء ولا من الريح. أولاد الخير يظهرون للأعمى : وجوههم موردة، وأجسامهم منضدة وعروقهم تجري فيها دماء نقية، أما أنتم فدماؤكم دماء الأفاعي الزرقاء ورائحتكم الزفراء تملأ السماء والأرض، وماؤكم ماء بولكم ودموعكم التي تغرق الحرث والنسل والعمران.. ومنه هذا الحجر الأساس.. اسمعوا جيدا، اتركوا الخير لأهله وافترشوا الشوك الذي يهرش أجسامكم المقملة.
عودوا إلى أعشاشكم، أنتم لا تعرفون إلا الفقر.
ونادى المنادي… والخير لا يضيع، والمثل يقول : النية، النية وانعس مع الحية… أعرفكم جيدا. نيتكم ناقصة، ها هي سباباتكم تخرج من رؤوسكم مثل مسدسات الأطفال. لا لوم عليكم تقولون: فعلوها وها هم يفعلوها من جديد. ماذا فعلنا بربكم؟ الأرض الأولى على الطريق الرئيسي وكل يوم يتساقط أطفالكم ودجاجكم مثل الذباب… ثم. هل يرضيكم أن تطل أعشاشكم العمياء على الغادي الرايح؟ ولماذا هذه المناحة، أرجعناكم امتارا قليلة وسورناكم بسور من أجمل أسوار الدنيا لا يشبهه إلا سور الصين، تزينه لوحات أشهر الرسامين شرقا وغربا. ما لها الأرض الثانية؟ عجبا.. لو تكلم الحجر لنطق بالحق…
عبد الرحيم مودن