هذا المقال يحتوي على: 288 كلمة.

حجم الخط

remove add

ا قصة قصيرة

الكاتب العربي

  • عنوان المقالة: الرجل الذي تسلق قالب سكر فتحول إلى نملة بجناحين – قصة قصيرة
  • بقلم: عبد الرحيم مودن
  • رقم العدد: 5
  • تاريخ الإصدار:01 يناير 1983
  • عدد المشاهدات: 14

اشتهرت مدينة (النمل الغربية) – وهي من أنشط مدن الإقليم. بصناعة السكر. سكر مقولب ومريع ومكعب…  أهلها يلعبون بالسكر.  عماراتها من مربعات سكر ملون. تسر الناظرين.. رملها مسحوق سكر ناعم لا يخدش الأقدام العارية. اقترح رجل من أعيان المدينة بناء قبة ضخمة من السكر تقاوم الحرارة والبرودة وتخلد المدينة في أسفار التاريخ. السكر في كل مكان. يقدمه السكان لخيول السباق وينتظرون نتائج يوم الأحد. البعض منهم يقدمه للقطط المدللة كما يفعل الأجانب. والبعض الآخر يفضل أن يتنازل عن نصيبه من السكر لصالح مدن الأقاليم الأخرى كما يحدث في الدول المتقدمة. أما الذي تجاوزت اريحيته حدأ لا يوصف فانه يضم صوته لدعاة جلب العملة الصعبة كما يحدث في الدول المتحضرة، وهذا ليس عيبا. فالتمرة كافية لتحلية دواوير بأكملها. ولماذا السكر بالذات كلمة طيبة تستطيع ان تفعل فعل السحر، فهي حلوة أكثر من الشهد. والدنيا زائلة. فلنملأ قلوبنا بالقناعة.

(العربي) مواطن من مدينة النمل

الغربية. يستيقظ. كل صباح كما تستيقظ النملة. لا حس ولا حركة. وقت دقيق. عمل متقن. لا يهم تحديد العمل، فالعمل عند معشر النمل واجب وضرورة. والنمل لا يسأل عن عمله. يعمل في كل مكان.. في الحفر والمجاري ودورات المياه، فوق الأرض وتحتها ٠ عيب أن تسال الرجل منا عن عمله ٠الرجل ٠لا يعيبه الا الجلوس مثل النساء ٠ دعك من النقابات والضمان الاجتماعي وتعويض الأطفال و٠سام الأجور … لا وجود لذلك في مدينة النمل الغربية ٠ كل ذلك مجلبة للهم. والنمل لا هم له ٠ فهو بذلك سعيد ٠ وأهل المدينة لا هموم لهم ٠ فهم بذلك سعداء ٠ وسعادة العربي اكتملت بزواجه الجديد. قريبة ظريفة كالنملة ٠ خفيفة الروح والجسد ٠ تزوجا وولدت له سربا صغيرا من الذكور والأثاث كأسراب النمل ” الخبزة لم تعد خبزة ” والشاي تخطفه الأيدي قبل أن يصل. الى الفَم، والمرق يغور قبل سكبه وكأنك تكب الماء في الرمل، وقالب السكر ينهار بهشاشة في طرفة، وأيام البون أرحم لما كانت التمرة تحلي دوارا! ألم أقل لكم ذلك؟ وعندنا يكون الانسان سعيدا مثل (العربي النملة)، فإن أشد ما يخيفه هذا الزمان الغدار! والزّمن الغدار عند العربي هو ابْن آدم   والمرأة تقود ابْن آدم الى حتفه. لعبت الجارات بعقل نملته الظريفة فقالت: ” من قالب السكر ولدت “في البداية اعتقد أنه “الرحم” ولكن لماذا قالب السكر بالذات؟ كيف سيكون هذا الطفل؟ صاروخ؟!

لعن الشيطان ووضع قدمه في الحارة مازال الغبش يعم المكان ٠ حيته يافطة كرتونية عند مدخل الزقاق، ووضعت ساقا فوق ساق، فبدت مائلة الى اليمين وكأنها معلقة بمسمار ٠ ولما أحست بتجاهل العربي قالت بصوت خفيض:

– هنا يباع قالب السكر (الطلق ممنوع والرزق على الله) ٠

وضع العربي سبابته على شفتيه وكأنه يريد اسكات اليافطة الكرتونية محاذرا أن تسمع زوجته ذلك ٠ لعن الشيطان مرة أخرى وتذكر انه كان قد غادر المنزل منذ مدة قصيرة.

سمع قالب السكر نعيق الزوجة، وهمس الزوج، واطمأن. لوعيد اليافطة الكرتونية، وتأكد أخيرا من أهميته في النفوس. طوق القالب دائرة حمراء مذهبة الحواشي، وغنى بصوت خفيض أهزوجة رددها الأطفال فيما يعد ببراءة: (شهرتي تفوق شهرة النمر و الأسد ” يالالان  لالان” ) .

أخرج النمر والأسد رأسيهما من إطار الدائرة الحمراء المذهبة وقال بتسليم: ٠ نحن نياشين ميتة ٠ هذه اللفافة الزرقاء كفننا الدائم ٠

خشخش سير الكتان اللفافة الزرقاء، وتمنى شنق هذا الرأس الأصلع المتجعرف ٠

 قال العربي: ” انا نملة مثل باقي النمل وأرض الله واسعة “. ثم أضاف بحماس (والذي يمتلك بابا واحدا فليغلقه الله عليه). جمع العربي اللفافات الزرق وفرشها على الأرض مناديا على بضاعته: دواء للزكام ” قليل من الزعتر ” صلوا على النبي لفافة مثل الدخينة   تماما . أشعل ودخن بالشفاء إن شاء الله “.

أشعل العربي الدخينة امام المتحلقين وجذب نفسا طويلا فانتابته نوبة سعال اسلمته إلى خلاء عريض ٠ نادى بصوت مخنوق وهو يطرد سحب الدخان الأزرق بيده: (دواء للزكام دواء ضد العين ) ٠

العربي نملة مثل باقي النمل، والنملة لا تعرف الكلل ٠ جمع العربي الدوائر المذهبة واشترى دبابيس معدنية صغيرة، وطار مع المواسم ٠ ورقص في الأعراس وكأنه صاحب العرس (نيشان بريال ٠ نيشان الحرب العالمية الأولى ٠ نيشان الحرب الثانية. نيشان هتلر ٠ نيشان الحرب الثالثة يقفز برشاقة ويشبك النيشان الأحمر الذهبي على صدر أحد الأطفال. ينزع الطفل النيشان الورقي ويقذف به بعيدا ٠ يستقر عند قدميه ٠ يرفسه ٠ يأخذ الأطفال في الرقص على إيقاع قدميه وهم يشيعون العربي بحركات ساخرة من أيديهم ٠

العربي نملة مثل باقي النمل ٠ والنملة تحسن السباحة في المياه، وتتسلق اعالي الجبال، تخترق باطن الأرض … دخن العربي اللفافات الزرق وعلق النياشين الحمراء المذهبة على صدور الأطفال، وعرض خيوط الكتان على الغادي والرائح، وجمع ريالات قليلة دفع بها الى بائع الزقاق ٠ تأرجحت اليافطة الكرتونية على مدخل الحانوت٠٠ واهتزت بنشيج ساخر ٠ قال البائع : تريد  القاعدة أم الرأس ؟

قال العربي: أريد نصف قالب سليم ٠ قال البائع: الرأس بأربعة دراهم ٠ القاعدة ” بخمسة دراهم ٠ ٠ النصف الأيمن بدرهمين ٠ الأيسر بدرهمين ونصف ٠ قال العربي: أعطئي الرأس ٠ قال البائع رأس النمر بأربعة دراهم.

وراس الأسد ٠ بخمسة دراهم، ” قال العربي: أريد رأساً سليما ” نظر البائع الى القطع المعدنية الصغيرة وفركها بإبهامه مثل لاعب شطرنج ٠

— مسحوق سكر نظيف بدرهم وتصف للكأس ٠ مسحوق سكر بتبن بدرهم للكأس ٠ خاطب العربي نفسه فقال: عندما تعز فيك هذه الدنيا الظالمة نصف قالب سكر فليجعلني الله، نملة بجناحين ٠

طار في السماء فسخرت منه الطيور والهوام ٠ حط على الأرض فعجز عن السير. تسرب من شقوق الحوانيت وثقوب المخازن ومسام صناديق السلع فطاردته المبيدات الخانقة ٠ انقض على قالب سكر عاري الجسد فقهقه هذا الأخير متلذذا بهذه الدغدغة، وكاد يسحقه لو لم يكن نملة بجناحين ٠ قالت نملة لجارتها: أنظري ٠ ٠ .”عندما يريد الله أن يعذب نملة يخلق لها جناحين” ٠  سمع قالب السكر ذلك وتأكد من أهميته في نفوس سكان مدينة النمل الغربية .٠

شارك هذا المقال على:
قالب سكر
الرجل الذي تسلق قالب سكر فتحول إلى نملة بجناحين

كتب 63 مساهمة في هذه المدونة.

حول الكاتب :

إن أ.د.عبد الرحيم مؤذن، شخصية إنسانية وثقافية وإبداعية.فهو أديب وقاص وناقد مغربي وباحث خاصة في أدب الرحلات . ولد بمدينة القنيطرة المغرب سنة 1948 وتوفي ب هولندا في 27 يوليو 2014م.

editأكتب له أو تتبعه على:

علق على هذا المقال :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*account_box
*email
*comment_bank
You may use these HTML tags and attributes: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>