العلم أوراق 22 يونيو 2009
إلى أمي الثانية
رنا الوجه البتولي بنظرة حانية. الى السقف. كانت الثريا، منطفئة القناديل، وعتمة المساء تكاد تستشعر ملمسها الناعم في كل مكان وفي زاويتها الاليفة كانت مصلاتها المضيئة بضوء الأباجورة. الخافت تنظر إليها بعينين واسعتين سعة الأرض والسماوات؛ العينان قبتان من عاج صناعي لامع، إحداهما حملت صورة البيت العتيق. والثانية للمسجد النبوي الشريف، والبساط الوبري للمصلاة امتد إلى شغاف القلب؛ كانت المصلاة آخر ذكرى طيبة من حجتها الاخيرة. وبالرغم من تعطل البوصلة الهادية للقبلة، فالقلب ظل يخفق، كل وقت وحين، عند ذهاب الحجيج وإيابه..
لامست الأصابع الرقيقة العتمة الوبرية وكأنها تلامس المصلاة القريبة من زاوية القلب، والبعيدة عن قدميها الفاشلتين؛ ومع ذلك، فأداؤها للصلاة لم يتوقف، في يوم من الأيام،ولو طال زمن الرقود كما تشهد عليه هذه المصلاة الأليفة.. لم يبق أمامها إلا أن تتخيل صلاتها. وقوفا، فوق هذه المصلاة.. وهذا الفراش.. ولكن… “النية أبلغ من العمل.”.
مال العنق، بحركة بطيئة، كما يميل غصن البن مع نسائم المساء، وشعت صفحة الوجه الشفيفة بالوداعة الحازمة التي لم تزدها السنون إلا حزما ووداعة!! الرأس بغطائه المعهود المخرم عند استدارة الجبين واللفة بعقدتين أسفل الذقن المدبب برفاهة لا تخلو من صرامة. الغطاء بلونه الحليبي يسيل ببياض سربل الجسد المسجى من الرأس إلى أهداب السرير. الساعة الحائطية ذابت عقاربها. أيضا، في البياض، فبدا القرص مثل مصباح “الأباجورة” التي كانت منذ برهة قليلة بالزاوية الأليفة.. غاص الجسد في البياض الشامل حتى امتزج بأثير شفاف ارتفع به قليلا عن الملاءة البيضاء ذات الحواشي الحريرية المزهرة بنخيلات مطروزة متفاوتة الطول. هي أشبه بنخيلات “عين الصفا” قبل أن تتحول الجنان إلى مشاتل للصم والجلاميد.. أخذت اليد المعروقة تمسد التخيلات الحريرية، وتتلمس الجريد كما تتلمس صوت آخر أحفادها الذي ولد البارحة.. صوت حفيدتها التي حملت اسمها الأثير: “دنيا” دنيا جديدة لأصغر متكلمة في الهاتف في الوجود!! ابتسمت لهذه الخاطرة المفاجئة، وتذكرت أنها كانت أصغر عروس في “عين الصفا”, أو لعلها أصغر نخلة في تلك المرابع التي لن تنسى أبدا.. اليد المعروقة ما زالت تتحسس حفيدتها المولودة منذ دقائق بين
يتبع…